قوله تعالى : { وذا النون } أي : اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى { إذ ذهب مغاضباً } اختلفوا في معناه . فقال الضحاك : مغاضباً لقومه ، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس ، قال : كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطاً ونصف ، فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سر إلى حزقيل الملك ، وقل له حتى يوجه نبياً قوياً فإني ألقي معه في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل ، فقال له الملك : فمن ترى ، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء ، فقال يونس : إنه قوي أمين فدعا الملك بيونس فأمره أن يخرج ، فقال له يونس : هل أمرك الله بإخراجي . قال : لا ، قال : فهل سماني لك ؟ قال : لا ، قال : فها هنا غيري أنبياء أقوياء ، فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضباً للنبي وللملك ، ولقومه فأتى بحر الروم فركبه . وقال عروة بن الزبير و سعيد بن جبير وجماعة : ذهب عن قومه مغاضباً لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم ، وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف ، فيما أوعدهم ، واستحيا منهم ، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب ، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده ، وأنه يسمى كذاباً لا كراهية لحكم الله تعالى . وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد ، فغضب ، والمغاضبة ها هنا من المفاعلة التي تكون من واحد ، كالمسافرة والمعاقبة ، فمعنى قوله مغاضباً أي غضبان . وقال الحسن : إنما غاضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه ، فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم ، فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلا أن يأخذ نعلاً يلبسها فلم ينظر ، وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضباً . وعن ابن عباس قال : أتى جبريل يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم ، فقال : ألتمس دابة قال : الأمر أعجل من ذلك ، فغضب فانطلق إلى السفينة . وقال وهب بن منبه : إن يونس ابن متى كان عبداً صالحاً وكان في خلقه ضيق ، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها بين يده ، وخرج هارباً منها ، فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت } قوله { فظن أن لن نقدر عليه } أي لن نقضي بالعقوبة ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك و الكلبي ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال : قدر الله الشيء تقديراً وقدر يقدر قدراً بمعنى واحد ، ومنه قوله : { نحن قدرنا بينكم الموت }في قراءة من خففها دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري ، فظن أن لن نقدر عليه بالتشديد ، وقال عطاء وكثير من العلماء معناه : فظن أن لن نضيق عليه الحبس ، كقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يضيق . وقال ابن زيد : هو استفهام معناه : فظن أنه يعجز ربه ، فلا يقدر عليه . وقرأ يعقوب يقدر بضم الياء على المجهول خفيف . وعن الحسن قال : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضباً لربه واستزله للشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه ، وكان له سلف وعبادة فأبي الله أن يدعه للشيطان ، فقذفه في بطن الحوت فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة . وقال عطاء : سبعة أيام وقيل : ثلاثة أيام . وقيل : إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة . وقيل : بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت ، وراجع نفسه فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، حين عصيتك وما صنعت من شيء فلن أعبد غيرك فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته ، والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضباً لقومه أو للملك ، { فنادى في الظلمات } أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } يعني : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت .
وروي عن أبي هريرة مرفوعاً : أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً ، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً فقال في نفسه ما هذا ؟ فأوحى الله إليه : إن هذا تسبيح دواب البحر ، قال : فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه ، فقالوا : يا ربنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة ، وفي رواية صوتاً معروفاً من مكان مجهول ، فقال : ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت ، فقالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟ قال : نعم فشفعوا له ، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه إلي الساحل كما قال الله تعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم }
{ 87 - 88 } { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }
أي : واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو : يونس ، أي : صاحب النون ، وهي الحوت ، بالذكر الجميل ، والثناء الحسن ، فإن الله تعالى أرسله إلى قومه ، فدعاهم ، فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم .
[ فجاءهم العذاب ] ورأوه عيانا ، فعجوا إلى الله ، وضجوا وتابوا ، فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى : { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } وقال : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } وهذه الأمة العظيمة ، الذين آمنوا بدعوة يونس ، من أكبر فضائله . ولكنه عليه الصلاة والسلام ، ذهب مغاضبا ، وأبق عن ربه لذنب من الذنوب ، التي لم يذكرها الله لنا في كتابه ، ولا حاجة لنا إلى تعيينها [ لقوله : { إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ } { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي : فاعل ما يلام عليه ]{[533]} والظاهر أن{[534]} عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره الله بذلك ، ظن أن الله لا يقدر عليه ، أي : يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى ، ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق على وجه لا يستقر ، ولا يستمر عليه ، فركب في السفينة مع أناس ، فاقترعوا ، من يلقون منهم في البحر ؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم ، فأصابت القرعة يونس ، فالتقمه الحوت ، وذهب به إلى ظلمات البحار ، فنادى في تلك الظلمات : { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فأقر لله تعالى بكمال الألوهية ، ونزهه عن كل نقص ، وعيب وآفة ، واعترف بظلم نفسه وجنايته .
قال الله تعالى : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَذَا النّونِ إِذ ذّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنّ أَن لّن نّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىَ فِي الظّلُمَاتِ أَن لاّ إِلََهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : واذكر يا محمد ذا النون ، يعني صاحب النون . والنون : الحوت . وإنما عَنَى بذي النون : يونس بن متى ، وقد ذكرنا قصته في سورة يونس بما أغني عن ذكره في هذا الموضع ، وقوله : إذْ ذَهَبَ مُغاضِبا يقول : حين ذهب مغاضبا .
واختلف أهل التأويل في معنى ذهابه مغاضبا ، وعمن كان ذهابه ، وعلى من كان غضبه ، فقال بعضهم : كان ذهابه عن قومه وإياهم غاضب . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَذَا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِبا يقول : غضب على قومه .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إذْ ذَهَبَ مُغاضِبا أما غضبه فكان على قومه .
وقال آخرون : ذهب عن قومه مغاضبا لربه ، إذ كشف عنهم العذاب بعدما وعدهموه . ذكر من قال ذلك : وذكر سبب مغاضبته ربه في قولهم :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بعثه الله يعني يونس إلى أهل قريته ، فردّوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه . فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه : إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا ، فاخرج من بين أظهرهم فأعلم قومه الذي وعده الله من عذابه إياهم ، فقالوا : ارمقوه ، فإن خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم . فلما كانت الليلة التي وعدوا بالعذاب في صبحها أدلج ورآه القوم ، فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرّقوا بين كل دابة وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، فاستقالوه ، فأقالهم ، وتنظّر يونس الخبر عن القرية وأهلها ، حتى مرّ به مارّ ، فقال : ما فعل أهل القرية ؟ فقال : فعلوا أن نبيهم خرج من بين أظهرهم ، عرفوا أنه صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها . وعجّوا إلى الله وتابوا إليه . فقبل منهم ، وأخّر عنهم العذاب . قال : فقال يونس عند ذلك وغضب : والله لا أرجع إليهم كذّابا أبدا ، وعدتهم العذاب في يوم ثم رُدّ عنهم ومضى على وجهه مغاضبا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب ، انطلق مغاضبا لربه ، واستزلّه الشيطان .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبيّ ، في قوله : إذْ ذَهَبَ مُغاضِبا قال : مغاضبا لربه .
حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، عن سعيد بن جبير فذكر نحو حديث ابن حميد ، عن سلمة ، وزاد فيه : قال : فخرج يونس ينظر العذاب ، فلم ير شيئا ، قال : جرّبوا عليّ كذبا فذهب مغاضبا لربه حتى أتى البحر .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال : سمعته يقول : إن يونس بن متى كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق . فلما حملت عليه أثقال النبوّة ، ولها أثقال لا يحملها إلا قليل ، تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل ، فقذفها بين يديه ، وخرج هاربا منها . يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : فاصْبرْ كمَا صَبَرَ أُولُو العَزْم مِنَ الرسُلِ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الحُوتِ : أي لا تُلْقِ أمري كما ألقاه .
وهذا القول ، أعني قول من قال : ذهب عن قومه مغاضبا لربه ، أشبه بتأويل الاَية ، وذلك لدلالة قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ على ذلك . على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب مغاضبا لقومه ، إنما زعموا أنهم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نبيّ من الأنبياء ربه واستعظاما له . وهم بقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم مما أنكروا ، وذلك أن الذين قالوا : ذهب مغاضبا لربه اختلفوا في سبب ذهابه كذلك ، فقال بعضهم : إنما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم ، واسْتَحْيَا منهم ، ولم يعلم السبب الذي دفع به عنهم البلاء . وقال بعض من قال هذا القول : كان من أخلاق قومه الذي فارقهم قتل من جرّبوا عليه الكذب ، عسى أن يقتلوه من أجل أنه وعدهم العذاب ، فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلك . وقد ذكرنا الرواية بذلك في سورة يونس ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .
وقال آخرون : بل إنما غاضب ربه من أجل أنه أمر بالمصير إلى قوم لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه ، فسأل ربه أن يُنْظره ليتأهب للشخوص إليهم ، فقيل له : الأمر أسرع من ذلك ولم يُنْظر حتى شاء أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً ليلبسها ، فقيل له نحو القول الأوّل . وكان رجلاً في خلقه ضيق ، فقال : أعجلني ربي أن آخذ نعلاً فذهب مغاضبا .
وممن ذُكر هذا القول عنه : الحسن البصريّ .
حدثني بذلك الحارث ، قال : حدثنا الحسن بن موسى ، عن أبي هلال ، عن شهر بن حوشب ، عنه .
قال أبو جعفر : وليس في واحد من هذين القولين من وصف نبيّ الله يونس صلوات الله عليه شيء إلا وهو دون ما وصفه بما وصفه الذين قالوا : ذهب مغاضبا لقومه لأن ذهابه عن قومه مغاضبا لهم ، وقد أمره الله تعالى بالمُقام بين أظهرهم ، ليبلغهم رسالته ويحذّرهم بأسه وعقوبته على تركهم الإيمان به والعمل بطاعته لا شك أن فيه ما فيه . ولولا أنه قد كان صلى الله عليه وسلم أتى ما قاله الذين وصفوه بإتيان الخطيئة ، لم يكن الله تعالى ذكره ليعاقبه العقوبة التي ذكرها في كتابه ويصفه بالصفة التي وصفه بها ، فيقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الحُوتِ إذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ويقول : فالْتَقَمَهُ الحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلا أنهُ كانَ مِنَ المُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
وقوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فظنّ أن لن نعاقبه بالتضييق عليه . من قولهم قدرت على فلان : إذا ضيقت عليه ، كما قال الله جلّ ثناؤه : وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يقول : ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يقول : ظنّ أن لن نقضيَ عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه إذ غضب عليهم وفراره . وعقوبته أخذ النون إياه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الاَية : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال : فظنّ أن لن نعاقبه بذنبه .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، قال : ثني شعبة ، عن مجاهد ، ولم يذكر فيه الحكم .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال : يقول : ظنّ أن لن نعاقبه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والكلبيّ : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قالا : ظنّ أن لن نقضيَ عليه العقوبة .
حُدثت عن الحسين . قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ يقول : ظنّ أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه وفراقه إيّاهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن ابن عباس ، في قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال : البلاء الذي أصابه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظنّ أنه يُعجز ربه فلا يقدر عليه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال : بلغني أن يونس لما أصاب الذنب ، انطلق مغاضبا لربه ، واستزلّه الشيطان ، حتى ظن أن لن نقدر عليه . قال : وكان له سلف وعبادة وتسبيح . فأبى الله أن يدعه للشيطان ، فأخذه فقذفه في بطن الحوت ، فمكث في بطن الحوت أربعين من بين ليلة ويوم ، فأمسك الله نفسه ، فلم يقتله هناك . فتاب إلى ربه في بطن الحوت ، وراجع نفسه . قال : فقال : سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ قال : فاستخرجه الله من بطن الحوت برحمته بما كان سلف من العبادة والتسبيح ، فجعله من الصالحين . قال عوف : وبلغني أنه قال في دعائه : وبنيت لك مسجدا في مكان لم يبنه أحد قبلي .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ وكان له سلف من عبادة وتسبيح ، فتداركه الله بها فلم يَدَعْه للشيطان .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن إياس بن معاوية المدني ، أنه كان إذا ذكر عنده يونس ، وقوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يقول إياس : فلِم فرّ ؟
وقال آخرون : بل ذلك بمعنى الاستفهام ، وإنما تأويله : أفظنّ أن لن نقدر عليه ؟ ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال : هذا استفهام . وفي قوله : فَمَا تُغْنِي النّذُر قال : استفهام أيضا .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : عَنَى به : فظنّ يونس أن لن نحبسه ونضيق عليه ، عقوبة له على مغاضبته ربه .
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة ، لأنه لا يجوز أن يُنْسب إلى الكفر وقد اختاره لنبوّته ، ووَصْفُه بأن ظنّ أن ربه يعجز عما أراد به ولا يقدر عليه ، وَصْفٌ له بأنه جهل قدرة الله ، وذلك وصف له بالكفر ، وغير جائز لأحد وصفه بذلك . وأما ما قاله ابن زيد ، فإنه قول لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام حسن ، ولكنه لادلالة فيه على أن ذلك كذلك . والعرب لا تحذف من الكلام شيئا لهم إليه حاجة إلا وقد أبقت دليلاً على أنه مراد في الكلام ، فإذا لم يكن في قوله : فَظَنّ أنْ لَنْ نَقْدرَ عَلَيْهِ دلالة على أن المراد به الاستفهام كما قال ابن زيد ، كان معلوما أنه ليس به وإذ فسد هذان الوجهان ، صحّ الثالث وهو ما قلنا .
وقوله : فَنَادَى في الظّلُماتِ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بهذه الظلمات ، فقال بعضهم : عُني بها ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : فَنادَى في الظّلُمات قال : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل . وكذلك قال أيضا ابن جُرَيْج .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : نادى في الظلمات : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت لا إله إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ .
حدثني محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا محمد بن رفاعة ، قال : سمعت محمد ابن كعب يقول في هذه الاَية : فَنادَى في الظّلُماتِ قال : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فَنادَى في الظّلُماتِ قال : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : فَنادَى في الظّلُماتِ قال : ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل .
وقال آخرون : إنما عَنَى بذلك أنه نادى في ظلمة جوف حوت في جوف حوت آخر في البحر . قالوا : فذلك هو الظلمات . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد : فَنادَى في الظّلُماتِ قال : أوحى الله إلى الحوت أن لا تضرّ له لحما ولا عظما . ثم ابتلع الحوت حوت آخر ، قال : فَنادَى في الظّلُماتِ قال : ظلمة الحوت ، ثم حوت ، ثم ظلمة البحر .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عن يونس أنه ناداه في الظلمات : إنْ لا إلهَ إلا أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ وَلا شك أنه قد عنى بإحدى الظلمات : بطن الحوت ، وبالأخرى : ظلمة البحر ، وفي الثالثة اختلاف ، وجائز أن تكون تلك الثالثة ظلمة الليل ، وجائز أن تكون كون الحوت في جوف حوت آخر . ولا دليل يدلّ على أيّ ذلك من أيّ ، فلا قول في ذلك أولى بالحق من التسليم لظاهر التنزيل .
وقوله : لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ يقول : نادى يونس بهذا القول معترفا بذنبه تائبا من خطيئته إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ في معصيتي إياك . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : نادَى في الظّلُماتِ أنْ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ معترفا بذنبه ، تائبا من خطيئته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : أبو معشر : قال محمد بن قيس : قوله : لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ ما صنعتُ من شيء فلم أعبد غيرك ، إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ حين عصيتك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عوف الأعرابي ، قال : لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات . ثم حرّك رجله ، فلما تحركت سجد مكانه ، ثم نادى : يا ربّ اتخذتُ لك مسجدا في موضع ما اتخذه أحد
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق عمن حدثه ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا أرَادَ اللّهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الحُوتِ ، أوْحَى اللّهُ إلى الحُوتِ : أنْ خُذْهُ وَلا تَخْدِشْ لَهُ لَحْما وَلا تَكْسِرْ عَظْما فأخَذَهُ ، ثُمّ هَوَى بِهِ إلى مَسْكَنِهِ مِنَ البَحْرِ فَلَمّا انْتَهَى بِهِ إلى أسْفَلِ البَحْرِ ، سَمِعَ يُونُسُ حِسّا ، فَقالَ فِي نَفْسِهِ : ما هَذَا ؟ قالَ : فَأَوْحَى اللّهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ : إنّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابّ البَحْرِ ، قالَ : فَسَبّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ ، فَسَمِعَتِ المَلائِكَةُ تَسْبِيحَهُ ، فَقالُوا : يا رَبّنا إنّا نَسْمَعُ صَوْتا ضَعِيفا بأرْضٍ غَرِيبَة ؟ قالَ : ذَاكَ عَبْدِي يُونُسُ ، عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الحُوتِ فِي البَحْرِ . قالُوا : العَبْدُ الصّالِحُ الّذِي كانَ يَصْعَدُ إلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ ؟ قالَ : نَعَمْ . قالَ : فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذلكَ ، فَأمَرَ الحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السّاحِلِ كما قالَ اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى : وَهُوَ سَقِيمٌ » .
التقدير واذكر «ذا النون » والنون الحوت وصاحبه يونس بن متَّى عليه السلام ، ونسب إلى الحوت الذي التقمه على الحالة التي يأتي ذكرها في موضعها الذي يقتضيه وهو نبي من أهل نينوى وهذا هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «من قال إني خير من يونس بن متى فقد كذب »{[8257]} ، وفي حديث آخر «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى »{[8258]} ، وهذا الحديث وقوله «لا تفضلوني على موسى »{[8259]} يتوهم أنها يعارضان قوله عليه السلام على المنبر «أنا سيد ولد آدم ولا فخر »{[8260]} والانفصال عن هذا بوجهين أحدهما ذكره الناس وهو أن يكون قوله «أنا سيد ولد آدم » متأخراً في التاريخ وأنها منزلة أعلمه الله تعالى بها لم يكن علمها وقت تلك المقالات الأخر ، والوجه الثاني وهو عندي أحرى مع حال النبي عليه السلام ، أنه إنما نهي عن التفضيل بين شخصين مذكورين وذهب مذهب التواضع ولم يزل سيد ولد آدم ولكنه نهى أن يفضل على موسى كراهية أن تغضب لذلك اليهود فيزيد نفارها عن الإيمان ، وسبب الحديث يقتضي هذا ، وذلك أن يهودياً قال لا والذي فضل موسى على العالمين ، فقال له رجل من الأنصار تقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ولطمه فشري الأمر وارتفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن تفضيله على موسى ونهى عليه السلام عن تفضيله على يونس لئلا يظن أحد بيونس نقص فضيلة بسبب ما وقع له ، فنهيه عليه السلام عن التفضيل على شخص معين وقوله في حديث ثالث «لا تفضلوا بين الأنبياء »{[8261]} وهذا كله مع قوله : «أنا سيد ولد آدم » وإطلاق الفضل له دون اقتران بأحد ، بين صحيح وتأمل هذا ، فإنه يلوح وقد قال عمر رضي الله عنه للحطيئة امدح ممدوحك ولا تفضل بعض الناس على بعض .
قال القاضي أبو محمد : ولفظة سيد ولفظة خير شيئان ، فهذا مبدأ جمع آخر بين الأحاديث يذهب ما يظن من التعارض ، وقوله { مغاضباً } قيل إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فاراً بنفسه وقد كان الله تعالى أمره بملازمتهم والصبر على دعائهم فكان ذنبه في مخالفة هذا الأمر ، وروي أنه كان شاباً فلم يحمل أثقال النبوءة وتفسخ تحتها كما يتفسخ الربع{[8262]} تحت الحمل ولهذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم { ولا تكن كصاحب الحوت }{[8263]} [ القلم : 48 ] أي اصبر ودم على الشقاء بقومك ، وقالت فرقة إنما غاضب الملك الذي كان على قومه ع وهذا نحو من الأول فيما يلحق منه يونس عليه السلام ، وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره إنما ذهب { مغاضباً } ربه واستفزه إبليس{[8264]} ، ورووا في ذلك أن يونس لما طال عليه أمر قومه طلب من الله تعالى عذابهم فقيل له إن العذاب يجيئهم يوم كذا ، فأخبرهم يونس بذلك فقالوا إن رحل عنا فالعذاب نازل وإن أقام بيننا لم نبال ، فلما كان سحر ذلك اليوم قام يونس فرجل فأيقنوا بالعذاب فخرجوا بأجمعهم إلى البراز{[8265]} ، وفرقوا بين صغار البهائم وأمهاتها وتضرعوا وتابوا ، فرفع الله تعالى عنهم العذاب وبقي يونس في موضعه الذي خرج إليه فنظر فلما عرف أَنهم لم يعذبوا ساءه أن عدوه كاذباً وقال والله لا انصرفت إليهم أَبداً .
وروي أنه كان من دينهم قتل الكذاب فغضب حينئذ على ربه وخرج على وجهه حتى دخل في سفينة في البحر ع وفي هذا القول من الضعف ما لا خفاء به مما لا يتصف به نبي ، واختلف الناس في قوله تعالى : { فظن أَن لن نقدر عليه } فقالت فرقة : استفزه إبليس ووقع في ظنه إمكان أن لا يقدر الله عليه بمعاقبة .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :وهذا قول مردود ، وقالت فرقة ظن أَن لن يضيق عليه في مذهبه من قوله تعالى : { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر }{[8266]} [ الإسراء : 30 ] ، وقالت فرقة هو من القدر ، أي ظن أن لن يقدر الله عليه بعقوبة{[8267]} ، وقالت فرقة الكلام بمعنى الاستفهام ، أَي : أفظن أن لن يقدر الله عليه ؟ ، وحكى منذر بن سعيد أَن بعضهم قرأ «أفظن » بالألف ، وقرأ الزهري «تُقَدّر » بضم النون وفتح القاف وشد الدال{[8268]} ، وقرأ الحسن «يقدر » وعنه أَيضاً «نقدر »{[8269]} ، وبعد هذا الكلام حذف كثير أقتضب لبيانه في غير هذه الآية ، المعنى فدخل البحر وكذا حتى التقمه الحوت وصار في ظلمة جوفه ، واختلف الناس في جمع { الظلمات } ما المراد به فقالت فرقة ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت ، وقالت فرقة ظلمة البحر وظلمة الحوت التقم الحوت الأول الذي التقم يونس .
قال أبو محمد رحمه الله :ويصح أن يعبر ب { الظلمات } عن جوف الحوت الأول فقط كما قال في غيابات الجب{[8270]} وفي كل جهاته ظلمة فجمعها سائغ ، وروي أن يونس سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر ثم قال في دعائه «اللهم إني قد اتخذت لك مسجداً في موضع لم يتخذه أحد من قبلي » و { أن } مفسرة نحو قوله تعالى { أن امشوا }{[8271]} [ ص : 6 ] وفي هذا نظر وقوله تعالى : { من الظالمين } يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر عليهم هذا أحسن الوجوه وقد تقدم ذكر غيره .