مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

{ وَذَا النون } أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف إليه { إِذ ذَّهَبَ مغاضبا } حال أي مراغماً لقومه . ومعنى مغاضبته لقومه أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها . روي أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضباً لله وبغضاً للكفر وأهله وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلي ببطن الحوت { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ } نضيق { عَلَيْهِ } وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوماً على معاوية فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصاً إلا بك . قال : وما هي يا معاوية ؟ فقرأ الآية . فقال : أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه ؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة { فنادى فِى الظلمات } أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله { ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات } [ البقرة : 17 ] أو ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت { أن } أي بأنه { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } أو بمعنى أي { سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين } لنفسي في خروجي من قومي قبل أن تأذن لي في الحديث " ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له " وعن الحسن : ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم .