الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

أخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { وذا النون إذ ذهب مغاضباً } يقول : غضب على قومه { فظن أن لن نقدر عليه } يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره . قال : وعقوبته أخذ النون إياه .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { وذا النون إذ ذهب مغاضباً } قال : مغاضباً لقومه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس قال : كانت تكون أنبياء جميعاً يكون عليهم واحد ، فكان يوحى إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم : أرسل فلان إلى بني فلان ، فقال الله : { إذ ذهب مغاضباً } قال : مغاضباً لذلك النبي .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه .

وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { إذ ذهب مغاضباً } قال : انطلق آبقا { فظن أن لن نقدر عليه } فكان له سلف من عمل صالح فلم يدعه الله ، فبه أدركه .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : ظن أن لن نعاقبه بذلك .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : أن لن نقضي عليه .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } يقول : ظن أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه وفراقه إياهم .

وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن الحارث قال : لما التقم الحوت يونس نبذ به إلى قرار الأرض ، فسمع تسبيح الأرض فذاك الذي حاجه فناداه .

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : ظن أن لن نعاقبه { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } قالت الملائكة : صوت معروف في أرض غريبة .

وأخرج ابن جرير عن قتادة والكلبي { فظن أن لن نقدر عليه } قالا : ظن أن لن نقضي عليه العقوبة .

وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت .

وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب وعمرو بن ميمون وقتادة مثله .

وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير مثله .

وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر .

وأخرج ابن جرير عن سالم بن أبي الجعد قال : أوحى الله تعالى إلى الحوت أن «لا تضر له لحماً ولا عظماً » ثم ابتلع الحوت حوت آخر ، قال : { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الحوت ، ثم حوت ، ثم ظلمة البحر .

وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كل تسبيح في القرآن صلاة ، إلا قوله : { سبحانك إني كنت من الظالمين } .

وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن معاوية قال له يوماً : إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك . قال : وما هما ؟ قال : قول الله : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه } وأنه يفوته إن أراده ، وقول الله : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } [ يوسف : 110 ] كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم ؟ .

فقال ابن عباس : أما يونس ، فظن أن لن تبلغ خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه .

وأما الآية الأخرى ، فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم وظنوا أن من عصاهم لرضا في العلانية قد كذبهم في السر ، وذلك لطول البلاء عليهم ولم تستيئس الرسل من نصر الله ، ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم . فقال معاوية : فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما دعا يونس قومه أوحى الله إليه أن العذاب يصبحهم ، فقال لهم فقالوا : ما كذب يونس وليصبحنا العذاب ، فتعالوا حتى نخرج سخال كل شيء فنجعلها من أولادنا لعل الله أن يرحمهم . فأخرجوا النساء مع الولدان وأخرجوا الإبل مع فصلانها ، وأخرجوا البقر مع عجاجيلها وأخرجوا الغنم مع سخالها فجعلوه أمامهم ، وأقبل العذاب . . . فلما رأوه جأروا إلى الله ودعوا ، وبكى النساء والولدان ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها فرحمهم الله فصرف ذلك العذاب عنهم ، وغضب يونس فقال : كذبت ، فهو قوله : { إذ ذهب مغاضباً } فمضى إلى البحر ، وقوم رست سفينتهم فقال : احملوني معكم فحملوه ، فأخرج الجعل فأبوا أن يقبلوه منه فقال : إذاً أخرج عنكم . فقبلوه ، فلما لجت السفينة في البحر أخذهم البحر والأمواج ، فقال لهم يونس : اطرحوني تنجوا . قالوا : بل نمسكك ننجوا . قال : فساهموني - يعني قارعوني - فساهموه ثلاثاً فوقعت عليه القرعة ، فأوحى إلى سمكة يقال لها النجم من البحر الأخضر ، أن «شقي البحار حتى تأخذي يونس ، فليس يونس لك رزقاً ولكن بطنك له سجن ، فلا تخدشي له جلداً ولا تكسري له عظماً » فجاءت حتى استقبلت السفينة ، فقارعوه الثالثة فوقعت عليه القرعة فاقتحم الماء ، فالتقمته السمكة فشقت به البحار حتى انتهت به إلى البحر الأخضر .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما التقم الحوت يونس ذهب به حتى أوقفه بالأرض السابعة ، فسمع تسبيح الأرض فهيجه على التسبيح فقال : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأخرجته حتى ألقته على الأرض بلا شعر ولا ظفر مثل الصبي المنفوس ، فأنبتت عليه شجرة تظله ويأكل من تحتها من حشرات الأرض ، فبينا هو نائم تحتها إذ تساقط ورقها قد يبست . فشكا ذلك إلى ربه فقال : تحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون يعذبون ؟ .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في الفرج وابن مردويه ، عن أنس رفعه : أن يونس حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات حين ناداه في بطن الحوت قال : اللهم { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأقبلت الدعوة تحف بالعرش فقالت الملائكة : هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة ! فقال : أما تعرفون ذلك ؟ قال : يا رب ، ومن هو ؟ قال : ذاك عبدي يونس . قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوه مجابة ؟ ! قال : نعم . قالوا : يا رب ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟ قال : بلى . فأمر الحوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عليه اليقطينة » .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر ، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً : ليس لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ، سبح الله في الظلمات .

وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحكيم في نوادر الأصول ، والحاكم وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له » .

وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «هذه الآية مفزع للأنبياء { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } نادى بها يونس في ظلمة بطن الحوت » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } .

وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «هل أدلكم على اسم الله الأعظم ؟ دعاء يونس { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأيما مسلم دعا ربه به في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك ، أعطي أجر شهيد . وإن برأ برأ مغفوراً له » .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب » .

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على ثنية فقال : ما هذه ؟ قالوا : ثنية كذا وكذا . قال : كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبة من صوف وهو يقول : لبيك اللهم لبيك ! . . . » .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى - نسبة إلى أبيه - أصاب ذنباً ثم اجتباه ربه » .

وأخرج عبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يقولن أحدكم أنا خير من يونس بن متى » .

وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى » والله أعلم .