الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

85

{ وَذَا النُّونِ } : الحُوْتُ ، ويُجمع على نِيْنان ، كحُوْت وحِيْتان . وسُمِّي بذلك ، لأنَّ النونَ ابتلعه .

قوله : { مُغَاضِباً } حالٌ مِنْ فاعِل " ذهب " . والمفاعلةُ هنا تحتملُ أَنْ تكونَ على بابِها من المشاركةِ . أي : غاضَبَ قومه وغاضَبوه ، حين لم يُؤْمِنُوا في أول الأمر . وفي بعض التفاسير : مُغاضباً لربِّه . فإنْ صَحَّ ذلك عَمَّن يُعتبر قولُه ، فينبغي أَنْ تكونَ اللامُ للتعليلِ لا للتعديةِ للمفعول أي : لأجلِ ربِّه ولدينِه . ويُحتمل أَنْ تكونَ بمعنى : غضبانَ فلا مشاركةَ كعاقَبْتُ وسافَرْتُ .

والعامَّة على " مُغاضِباً " اسمَ فاعلٍ . وقرأ أبو شرف " مغاضَباً " بفتح الضادِ على ما لم يُسََمَّ فاعلُه . كذا نقله الشيخ ، ونقله الزمخشري عن أبي شرف " مُغْضَباً " دون ألفٍ مِنْ أَغْضَبْتَه فهو مُغْضَب .

قوله : { أَن لَّن } " أَنْ " هذه المخففةُ ، واسمُها ضمير الشأنِ محذوفٌ . و { لَّن نَّقْدِرَ } هو الخبرُ . والفاصلُ/ حرفُ النفي المعنى : أَنْ لَنْ نُضَيِّق عليه ، من باب قوله : { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [ الفجر : 16 ] ، { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] .

والعامَّةُ على " نَقْدِرَ " بنون العظمة مفتوحةً وتخفيفِ الدالِ . والمفعولُ محذوفٌ أي : الجهات والأماكن . وقرأ الزُّهريُّ بضمِّها وتشديد الدال . وقرأ ابنُ أبي ليلى وأبو شرفٍ والكلبي وحميد بن قيس " يُقْدَر " بضمِّ الياءِ مِنْ تحتُ وفتحِ الدالِ خفيفةً مبنياً للمفعول . وقرأ الحسنُ وعيسى بنُ عمرَ بفتح الياءِ وكَسرِ الدالِ خفيفةً . وعليُ بن أبي طالب واليمانيُّ بضم الياءِ وكسرِ الدالِ مشددةً . والفاعلُ على هذين الوجهين ضميرٌ يعود على اللهِ تعالى .

قوله : { أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ } يجوزُ في " أَنْ " وجهان ، أحدُهما : أنها المخففةُ من الثقيلةِ . فاسمُها كا تقدَّم محذوفٌ . والجملةُ المنفيةُ بعدها الخبرُ . والثاني : أنها تفسيريةٌ ؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القولِ لا حروفِه .