{ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ( 87 ) فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ( 88 ) وزكريا إذ نادى ربه ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ( 89 ) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ( 90 ) } .
{ و } اذكر { ذا النون } هو يونس بن متى على وزن شتى اسم لوالده على ما ذكره صاحب القاموس ، أو اسم لأمه على ما قاله ابن الأثير وغيره .
وقال الشهاب : ومتى اسم أبيه على الصحيح ، وسمي ذا النون لابتلاع الحوت له ، فإن النون اسم للحوت وجمعه أنوان ونينان ، والحوت السمكة ، وجمعه حيتان ، وقيل سمي به لأنه رأى صبيا مليحا ، فقال : دسموا نونته لئلا تصيبه العين وعن ابن الأعرابي أن نونة الصبي هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير ومعنى دسموا سودوا .
{ إذ ذهب مغاضبا } أي اذكره وقت ذهابه مغاضبا أي مراغما لقومه لا لربه ، وقال الحسن والشعبي وسعيد ابن جبير : مغاضبا لربه ، واختاره ابن جرير والقتيبي ، وحكى عن ابن مسعود ، قال النحاس : وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة ، وهو قول صحيح ، والمعنى مغاضبا لأجل ربه ، كما تقول : غضبت لك أي من أجلك ، وقال الضحاك ، مغاضبا لقومه ، وحكى عن ابن عباس .
وقالت فرقة منهم الأخفش إنما خرج مغاضبا للملك الذي كان في وقته واسمه حزقيا ، وقيل لم يغاضب ربه ولا قومه ولا الملك ، ولكنه مأخوذ من غضب إذا أنف ، وذلك أنه لما وعد قومه بالعذاب وكانوا يسكنون فلسطين وخرج عنهم ، تابوا وكشف الله عنهم العذاب ، فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك وحرج عنهم .
{ فظن أن لن نقدر عليه } بفتح النون وكسر الدال ؛ واختلف في معنى الآية على هذه القراءة ، فقيل : معناها أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته ، وقد حكى هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير ، وهو قول مردود ؛ فإن هذا الظن بالله كفر ؛ ومثل ذلك لا يقع من الأنبياء عليهم السلام .
وذهب جمهور العلماء إلى أن معناها فظن أن لن نضيق عليه كقوله : { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يضيق ، ومنه قوله : { ومن قدر عليه رزقه } ، يقال يقدر وقدر وقتر أي ضيق ، وقيل هو من القدر الذي هو القضاء والحكم دون القدرة والاستطاعة أي فظن أن لن نقضي عليه العقوبة ، قاله قتادة ومجاهد ، واختاره الفراء والزجاج .
قال ثعلب : هو من القدير ليس من القدرة يقال منه قدر الله لك الخير يقدره قدرا ؛ ويؤيده قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري ، نقدّر بضم النون وتشديد الدال من التقدير ، وحكى هذا عن ابن عباس ، ويؤيده قراءة قتادة والأعرج يقدّر مبنيا للمفعول من التقدير ، وقرئ يقدر مخففا مبنيا للمفعول .
وقد اختلف العلماء في تأويل الحديث الصحيح في قول الرجل الذي لم يعمل خيرا قط لأهله أن يحرقوه إذا مات ، ثم قال فوالله لئن قدر الله عليّ ، الحديث{[1214]} كما اختلفوا في تأويل هذه الآية والكلام في هذا يطول ، وقد ذكرنا ههنا ما لا يحتاج معه الناظر إلى غيره .
{ فنادى في الظلمات } الفاء فصيحة أي كان ما كان من التقام الحوت له فنادى ، والمراد بالظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ، قاله ابن مسعود .
وكان نداؤه هو قوله : { أن } أي بأن { لا إله إلا أنت سبحانك } يعني تنزيها من أن يعجزك شيء { إني كنت من الظالمين } الذين يظلمون أنفسهم ، وأول هذا الدعاء تهليل وأوسطه تسبيح وآخره إقرار بالذنب .
وقال الحسن وقتادة : هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته قال ذلك وهو في بطن الحوت ، قيل مكث فيه أربعين يوما وليلة ، وقيل سبعة وقيل ثلاثة كما في الخازن ، وفي البيضاوي أربع ساعات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.