البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

النون : الحوت ويجمع على نينان ، وروي : النينان قبله الحمر .

وانتصب { مغاضباً } على الحال .

فقيل : معناه غضبان وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكاً ، نحو : عاقبت اللص وسافرت .

وقيل { مغاضباً } لقومه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب ، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه فأوعدهم بالعذاب ، ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج .

وقيل { مغاضباً } للملك حزقيا حين عينه لغزو ملك كان قد عاب في بني إسرائيل فقال له يونس : آلله أمرك بإخراجي ؟ قال : لا ، قال فهل سماني لك ؟ قال : لا ، قال ههنا غيري من الأنبياء ، فألح عليه فخرج { مغاضباً } للملك .

وقول من قال { مغاضباً } لربه وحكى في المغاضبة لربه كيفيات يجب اطّراحه إذ لا يناسب شيء منها منصب النبوة ، وينبغي أن يتأول لمن قال ذلك من العلماء كالحسن والشعبي وابن جبير وغيرهم من التابعين ، وابن مسعود من الصحابة بأن يكون معنى قولهم { مغاضباً } لربه أي لأجل ربه ودينه ، واللام لام العلة لا اللام الموصلة للمفعول به .

وقرأ أبو شرف مغضباً اسم مفعول .

{ فظن أن لن نقدر عليه } أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة ، وقيل : من القدرة بمعنى { أن لن نقدّر عليه } الابتلاء .

وقرأ الجمهور { نقدر } بنون العظمة مخففاً .

وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب بضم الياء وفتح الدال مخففاً ، وعيسى والحسن بالياء مفتوحة وكسر الدال ، وعليّ بن أبي طالب واليماني بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة ، والزهري بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة .

{ فنادى في الظلمات } في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في سورة والصافات ، وهناك نذكر قصته إن شاء الله تعالى وجمع { الظلمات } لشدة تكاثفها فكأنها ظلمة مع ظلمة .

وقيل : ظلمات بطن الحوت والبحر والليل .

وقيل : ابتلع حوته حوت آخر فصار في ظلمتي بطنَي الحوتين وظلمة البحر .

وروي أن يونس سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر ، و { أن } في { أن لا إله إلا أنت } تفسيرية لأنه سبق { فنادى } وهو في معنى القول ، ويجوز أن يكون التقدير بأنه فتكون مخففة من الثقيلة حصر الألوهية فيه تعالى ثم نزهه عن سمات النقص ثم أقر بما بعد ذلك .