فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ { 87 ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ { 88 ) } .

واذكر صاحب الحوت يونس عليه السلام ؛ و{ النون } الحوت ؛ { إذ ذهب مغاضبا } هاجر حال كونه غضبان على قومه ، إذ دعاهم إلى دين الحق فلم يستجيبوا والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي لكنه ربما يكون خالف الأولى إذ لم يصابر ، ولعل هذا مما يشير إليه قول الحق سبحانه مخاطبا خاتم النبيين { . . ولا تكن كصاحب الحوت . . ){[2184]} ؛ وجاء في سورة كريمة أخرى بيان ما أصابه بعد ركوب السفينة : { فالتقمه الحوت{[2185]}وهو مليم ) {[2186]}والمليم : من فعل ما يلام عليه ؛ { فظن أن لن نقدر عليه } كان مطمئنا إلى أنا لن نضيق عليه ، قال الحسن : وهو من قوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره . . ){[2187]}أي يضيق ؛ وقوله : { . . ومن قدر عليه رزقه . . ){[2188]} أي : ضيق ؛ { فنادى في الظلمات } ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ؛ { أن لا إله إلا أنت . . . { سبحانك } . . أنزهك تنزيها لائقا بك من أن يعجزك شيء . . { إني كنت من الظالمين } لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت بالمهاجرة من غير أمر . . . { فاستجبنا له } أي دعاءه الذي دعاه ضمن الاعتراف وإظهار التوبة على ألطف وجه وأحسنه . . {[2189]} {[2190]} ؛ { وكذلك ننجي المؤمنين } [ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم ، وذلك قوله : { فلولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ){[2191]} ؛ وهذا حفظ من الله عز وجل لعبده يونس ، رعى له حتى تعبده ، وحفظ ذمام ما سلف له من الطاعة ؛ وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلى يوم القيامة يقال له ذو النون ، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة ! يبطل هذا عنده ! لا يظن به ذلك ]{[2192]} .


[2184]:سورة القلم. من الآية 48.
[2185]:مما أورده القرطبي: وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متى" المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت؛ وهذا يدل على أن الباري سبحانه وتعالى ليس في جهة. ج11ص333 -334.
[2186]:سورة الصافات. الآية 142.
[2187]:سورة الرعد. من الآية 26.
[2188]:سورة الطلاق. من الآية 7.
[2189]:أخرج أحمد والترمذي، والحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه، ابن جرير، والبيهقي في الشعب، وجماعة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له"
[2190]:ما بين العارضتين من روح المعاني.
[2191]:سورة الصافات. الآيتان 143، 144.
[2192]:ما بين العلامتين من الجامع لأحكام القرآن.