بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (87)

{ وَذَا النُّونِ } ، يعني : واذكر ذا النون ، يعني : ذا السمكة ؛ وهو يونس بن متى عليه السلام ، يعني : واذكر ذا النون ، يعني : ذا السمكة ؛ وهو يونس بن متى عليه السلام { إِذ ذَّهَبَ مغاضبا } ، يعني : مصارعاً من قومه ؛ ويقال : كان ضيق الصدر سريع الغضب ؛ وذلك أنه لما دعا قومه إلى الله تعالى ، كذبوه فأخبرهم بأن العذاب نازل بهم ، فأتاهم العذاب ؛ فأخلصوا لله تعالى بالدعاء ، فصرف عنهم . وكان يونس اعتزلهم ينتظر هلاكهم ، فسأل بعض من مر عليه من أهل تلك المدينة ، فلما علم أنهم لم يهلكوا ، أنف أن يرجع إليهم مخافة أن ينسب إلى الكذب وَيُعَيَّرَ به ؛ و { ذَّهَبَ مغاضبا } ، يعني : أنفاً . قال القتبي : غضب وأنف بمعنى واحد لقربهما .

وقال بعضهم : إنما غضب على الملك ؛ وذلك أن ملكاً من الملوك ، يقال له ابن تغلب ، غزا بني إسرائيل ونزل أيام عافيتهم ، أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل ، يسمَّى شعياء أن ائت حَزْقِيا الملك ، ومره ليبعث نبياً قوياً أميناً . وكان في ملكه خمسة من الأنبياء ، فجاء شعياء إلى حزقيا وأخبره بذلك ، فدعا الملك يونس بن متى ، وأمره بأن يخرج ، فأبى أن يخرج وقال : إن في بني إسرائيل أنبياء أقوياء غيري ، فعزم عليه الملك ، فخرج وهو كاره ، فغضب على الملك .

فوجد قوماً قد شحنوا سفينتهم ، فقال لهم : أتحملونني معكم ؟ فعرفوه فحملوه . فلما شحنت السفينة بهم وأسرعت في البحر ، انكفأت وغرقت بهم ، فقال ملاحوها : يا هؤلاء ، إن فيكم رجلاً عاصياً ، وإن السفينة لا تفعل هذا من غير ريح ، إلا وفيكم رجل عاصٍ ، فاقترعوا فخرج بينهم يونس عليه السلام فقال التجار : نحن أولى بالمعصية من نبي الله . ثم أعادوا الثانية والثالثة ، فخرج سهم يونس ، فقال : يا هؤلاء ، أنا والله العاصي . قال : فتلفف في كسائه وقام على رأس السفينة ، فرمى بنفسه فابتلعته السمكة ؛ فذلك قوله تعالى : { إِذ ذَّهَبَ مغاضبا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } يعني : لن يقدر عليه العقوبة ، ويقال : إن ذنبه لم يبلغ الذي نقدر عليه العقوبة ؛ ويقال : ظن أنا لن نضيق عليه الحبس ، كقوله : { وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربى أَهَانَنِ } [ الفجر : 16 ] أي ضيق . وقرأ بعضهم : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } بالتشديد ، فهو من التقدير ، وقراءة العامة بالتخفيف . { فنادى فِى الظلمات } ، يعني : في ظلمات ثلاث : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت : { أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ } ، أي ليس أحد له سجن كسجنك . { سبحانك } إني تبت إليك . { إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين } لنفسي .