معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

قوله تعالى : { أو من كان ميتاً فأحييناه } ، قرأ نافع { ميتاً } ، { ولحم أخيه ميتاً } [ الحجرات :12 ] و{ الأرض الميتة أحييناها } [ يس :33 ] بالتشديد فيهن ، وقرأ الآخرون بالتخفيف { فأحييناه } ، أي : كان ضالاً فهديناه ، كان ميتاً بالكفر فأحييناه بالإيمان . قوله تعالى : { وجعلنا له نوراً } ، يستضيء به .

قوله تعالى : { يمشي به في الناس } ، على قصد السبيل ، قيل : النور هو الإسلام ، لقوله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } [ البقرة : 257 ] ، وقال قتادة : هو كتاب الله ، بينه من الله مع المؤمن ، بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي .

قوله تعالى : { كمن مثله في الظلمات } ، المثل صلة ، أي : كمن هو في الظلمات .

قوله تعالى : { ليس بخارج منها } ، يعني : من ظلمة الكفر .

قيل : نزلت هذه الآية في رجلين بأعيانهما ، ثم اختلفوا فيهما ، قال ابن عباس : { جعلنا له نوراً } يريد حمزة بن عبد المطلب ، { كمن مثله في الظلمات } يريد أبا جهل بن هشام ، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث ، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل ، وهو راجع من قنصه ، وبيده قوس ، وحمزة لم يؤمن بعد ، فأقبل غضبان حتى رمى أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ، ويقول : يا أبا يعلي ، أما ترى ما جاء به ؟ سفه عقولنا ، وسب آلهتنا ، وخالف آباءنا ، فقال حمزة : ومن أسفه منكم ؟ تعبدون الحجارة من دون الله ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فأنزل الله هذه الآية . وقال الضحاك : نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل . وقال عكرمة والكلبي : نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل .

قوله تعالى : { كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } ، من الكفر والمعصية . قال ابن عباس : يريد زين لهم الشيطان عبادة الأصنام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

{ 122 - 124 } { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ }

يقول تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ } من قبل هداية الله له { مَيْتًا } في ظلمات الكفر ، والجهل ، والمعاصي ، { فَأَحْيَيْنَاهُ } بنور العلم والإيمان والطاعة ، فصار يمشي بين الناس في النور ، متبصرا في أموره ، مهتديا لسبيله ، عارفا للخير مؤثرا له ، مجتهدا في تنفيذه في نفسه وغيره ، عارفا بالشر مبغضا له ، مجتهدا في تركه وإزالته عن نفسه وعن غيره . أفيستوي هذا بمن هو في الظلمات ، ظلمات الجهل والغي ، والكفر والمعاصي .

{ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } قد التبست عليه الطرق ، وأظلمت عليه المسالك ، فحضره الهم والغم والحزن والشقاء . فنبه تعالى العقول بما تدركه وتعرفه ، أنه لا يستوي هذا ولا هذا كما لا يستوي الليل والنهار ، والضياء والظلمة ، والأحياء والأموات .

فكأنه قيل : فكيف يؤثر من له أدنى مسكة من عقل ، أن يكون بهذه الحالة ، وأن يبقى في الظلمات متحيرا : فأجاب بأنه { زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فلم يزل الشيطان يحسن لهم أعمالهم ، ويزينها في قلوبهم ، حتى استحسنوها ورأوها حقا . وصار ذلك عقيدة في قلوبهم ، وصفة راسخة ملازمة لهم ، فلذلك رضوا بما هم عليه من الشر والقبائح . وهؤلاء الذين في الظلمات يعمهون ، وفي باطلهم يترددون ، غير متساوين .

فمنهم : القادة ، والرؤساء ، والمتبوعون ، ومنهم : التابعون المرءوسون ، والأولون ، منهم الذين فازوا بأشقى الأحوال ، ولهذا قال :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَن مّثَلُهُ فِي الظّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا كَذَلِكَ زُيّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

وهذا الكلام من الله جلّ ثناؤه يدلّ على نهيه المؤمنين برسوله يومئذٍ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به ، وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرا ، فهداه جلّ ثناؤه لرشده ووفّقه للإيمان ، فقال لهم : إطاعة من كان ميتا ، يقول : من كان كافرا . فجعله جلّ ثناؤه لانصرافه عن طاعته وجهله بتوحيده وشرائع دينه وتركه الأخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته ، بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها من مكروه نازلة فأحْيَيْنَاهُ يقول : فهديناه للإسلام ، فأنعشناه ، فصار يعرف مضارّ نفسه ومنافعها ، ويعمل في خلاصها من سخط الله وعقابه في معاده ، فجعل إبصاره الحقّ تعالى ذكره بعد عماه عنه ومعرفته بوحدانيته وشرائع دينه بعد جهله بذلك حياة وضياء يستضيء به ، فيمشي على قصد السبيل ومنهج الطريق في الناس . كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظّلُماتِ لا يدري كيف يتوجه وأيّ طريق يأخذ لشدّة ظلمة الليل وإضلاله الطريق ، فكذلك هذا الكافر الضالّ في ظلمات الكفر لا يبصر رشدا ولا يعرف حقّا ، يعني في ظلمات الكفر . يقول : أفطاعة هذا الذي هديناه للحقّ وبصرناه الرشاد كطاعة من مثله مثل من هو في الظلمات متردّد لا يعرف المخرج منها في دعاء هذا إلى تحريم ما حرّم الله وتحليل ما أحلّ وتحليل هذا ما حرّم الله وتحريمه ما أحلّ ؟ .

وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين ، أحدهما مؤمن ، والاَخر كافر .

ثم اختلف أهل التأويل فيهما ، فقال بعضهم : أما الذي كان ميتا فأيحاه الله فعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها : فأبو جهل بن هشام . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا سليمان بن أبي هوذة ، عن شعيب السراج ، عن أبي سنان عن الضحاك ، في قوله : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ قال : عمر بن الخطاب رضي الله عنه . كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظّلُماتِ قال : أبو جهل بن هشام .

وقال آخرون : بل الميت الذي أحياه الله عمار بن ياسر رضي الله عنه وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها : فأبو جهل بن هشام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن بشر بن تيم ، عن رجل ، عن عكرمة : أوْ مَنْ كانَ مَيْتا فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي الناسِ قال : نزلت في عمار بن ياسر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن بشر ، عن تيم ، عن عكرمة : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ عمار بن ياسر . كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ أبو جهل بن هشام .

وبنحو الذي قلنا في الاَية قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ قال : ضالاّ فهديناه ، وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي للنّاسِ قال : هدى ، كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها قال : في الضلالة أبدا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فَأحْيَيْناهُ هديناه ، وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ في الضلالة أبدا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ قال : ضالاّ فهديناه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ يعني : من كان كافرا فهديناه ، وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ يعني بالنور : القرآن من صدّق به وعمل به ، كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ يعني بالظلمات : الكفر والضلالة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ يقول : الهدى يمشي به في الناس ، يقول : فهو الكافر يهديه الله للإسلام ، يقول : كان مشركا فهديناه ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ هذا المؤمن معه من الله نور وبينة يعمل بها ويأخذ وإليها ينتهي ، كتاب الله . كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ لَيْسَ بِخارجٍ مِنْها وهذا مثل الكافر في الضلالة متحير فيها متسكع ، لا يجد مخرجا ولا منفذا .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ : أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ يقول : من كان كافرا فجعلناه مسلما وجلعنا له نورا يمشي به في الناس وهو الإسلام ، يقول : هذا كمن هو في الظلمات ، يعني الشرك .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ قال : الإسلام الذي هداه الله إليه . كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظلُماتِ ليس من أهل الإسلام . وقرأ : اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظلُماتِ إلى النّورِ قال : والنور يستضيء به ما في بيته ويبصره ، وكذلك الذي آتاه الله هذا النور يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره كما يستضيء صاحب هذا السراج . قال : كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظّلُماتِ لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه .

القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ زُينَ للكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .

يقول تعالى ذكره : كما خذلت هذا الكافر الذي يجادلكم أيها المؤمنون بالله ورسوله في أكل ما حرّمت عليكم من المطاعم عن الحقّ ، فزينت له سوء عمله ، فرآه حسنا ليستحقّ به ما أعددت له من أليم العقاب ، كذلك زينت لغيره ممن كان على مثل ما هو عليه من الكفر بالله وآياته ما كانوا يعملون من معاصي الله ، ليستوجبوا بذلك من فعلهم ما لهم عند ربهم من النكال .

وفي هذا أوضح البيان على تكذيب الله الزاعمين أن الله فوّض الأمور إلى خلقه في أعمالهم فلا صنع له في أفعالهم ، وأنه قد سوّى بين جميعهم في الأسباب التي بها يصلون إلى الطاعة والمعصية لأن ذلك لو كان كما قالوا ، لكان قد زين لأنبيائه وأوليائه من الضلالة والكفر نظير ما زين من ذلك لأعدائه وأهل الكفر به . وزين لأهل الكفر به من الإيمان به نظير الذي زين منه لأنبيائه وأوليائه . وفي إخباره جلّ ثناؤه أنه زين لكلّ عامل منهم عمله ما ينبىء عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان ، وخصّ أعداءه وأهل الكفر بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان ، وكرّه إليهم الإيمان به والطاعة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

{ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس } مثل به من هداه الله سبحانه وتعالى وأنقذه من الضلال وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء ، فيميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل . وقرأ نافع ويعقوب { ميتا } على الأصل . { كمن مثله } صفته وهو مبتدأ خبره . { في الظلمات } وقوله : { ليس بخارج منها } حال من المستكن في الظرف لا من الهاء في مثله للفصل ، وهو مثل لمن بقي على الضلالة لا يفارقها بحال . { كذلك } كما زين للمؤمنين إيمانهم . { زين للكافرين ما كانوا يعملون } والآية نزلت في حمزة وأبي جهل وقيل في عمر أو عمار وأبي جهل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

تقدم في هذه الآية السالفة ذكر قوم مؤمنين أمروا بترك الإثم وباطنه وغير ذلك ، وذكر قوم كافرين يضلون بأهوائهم وغير ذلك ، فمثل الله عز وجل في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا ، هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وشبه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز وجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين .

وقرأ جمهور الناس «أوَ من » بفتح الواو فهي ألف استفهام دخلت على واو عطف جملة على جملة ، و { من } بمعنى الذي ، وقرأ طلحة بن مصرف : «أفمن » بالفاء ، والمعنى قريب من معنى الواو ، والفاء في قوله { فأحييناه } عاطفة ، و { نوراً } أمكن ما يعنى{[5076]} به الإيمان و { يمشي به } يراد به جميع التصرف في الأفعال والأقوال ، قال أبو علي : ويحتمل أن يراد النور الذي يؤتاه المؤمنون يوم القيامة ، و { في الناس } متعلق ب { يمشي }{[5077]} ، ويصح أن يتعلق ب { كان ميتاً } وقوله تعالى : { كمن مثله } بمنزلة كمن هو ، والكاف في قوله { كذلك زين } متعلقة بمحذوف يدل ظاهر الكلام عليه ، تقديره وكما أحيينا المؤمنين وجعلنا لهم نوراً كذلك زين للكافرين ، ويحتمل أن يتعلق بقوله { كمن مثله } أي كهذه الحال هو التزيين ، وقرأ نافع وحده «ميِّتاً » بكسر الياء وشدها ، وقرأ الباقون «ميْتاً » بسكون الياء ، قال أبو علي : التخفيف كالتشديد ، والياء المحذوفة هي الثانية المنقلبة عن واو أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب ، وقالت طائفة إن هذه الألفاظ التي مثل بها وإن كانت تعم كل مؤمن وكل كافر فإنما نزلت في مخصوصين ، فقال الضحاك : المؤمن الذي كان ميتاً فأحيي عمر بن الخطاب ، وحكى المهدوي عن بعضهم أنه حمزة بن عبد المطلب ، وقال عكرمة : عمار بن ياسر ، وقال الزجاج : جاء في التفسير أنه يعني به النبي عليه السلام .

قال القاضي أبو محمد : واتفقوا على أن الذي في الظلمات أبو جهل بن هشام ، إلى حاله وحال أمثاله هي الإشارة والتشبيه بقوله { وكذلك جعلنا في كل قرية } .


[5076]:- في بعض النسخ ما يعني الايمان.
[5077]:- قوله تبارك وتعالى: (يمشي به في الناس) إشارة إلى تنويره على نفسه وعلى غيره من الناس، فذكر أن منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه. قاله في البحر المحيط.