فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

قوله : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه } قرأ الجمهور بفتح الواو بعد همزة الاستفهام . وقرأ نافع ، وابن أبي نعيم بإسكانها ، قال النحاس : يجوز أن يكون محمولاً على المعنى : أي انظروا وتدبروا { [ أَفغَيْرَ ] الله أَبْتَغِى ( حَكَماً ) أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه } والمراد بالميت هنا الكافر ، أحياه الله بالإسلام . وقيل معناه : كان ميتاً حين كان نطفة ، فأحييناه بنفخ الروح فيه . والأوّل أولى ، لأن السياق يشعر بذلك لكونه في تنفير المسلمين عن اتباع المشركين ، وكثيراً ما تستعار الحياة للهداية وللعلم ، ومنه قول القائل :

وفي الجهل قبل الموت موت لأهله *** فأجسامهم قبل القبور قبور

وإن امرأ لم يحيي بالعلم ميت *** فليس له حتى النشور نشور

والنور : عبارة عن الهداية والإيمان . وقيل هو القرآن . وقيل الحكمة . وقيل هو النور المذكور في قوله تعالى : { يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم }والضمير في به راجع إلى النور { كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات } أي كمن صفته في الظلمات ، ومثله مبتدأ والظلمات خبره ، والجملة صفة لمن . وقيل : مثل زائدة ، والمعنى : كمن في الظلمات ، كما تقول : أنا أكرم من مثلك ، أي منك ، ومثله : { فَجَزَاء مثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم } { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء } . وقيل المعنى : كمن مثله مثل من هو في الظلمات ، و { لَيْسَ بِخَارِجٍ منْهَا } في محل نصب على الحال ، أي حال كونه ليس بخارج منها بحال من الأحوال .

/خ124