الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

قوله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ } : " أو مَنْ كان " قد تقدَّم أن هذه الهمزة يجوز أن تكونَ مقدَّمةً على حرفِ العطف وهو رأي الجمهور ، وأن تكونَ على حالها وبينها وبين الواو فعل مضمر . و " مَنْ " في محلِّ رفع بالابتداء و " كمَنْ " خبره وهي موصولة ، و " يمشي " في محلِّ نصب صفةً ل " نوراً " و " مَثَلُه " مبتدأ ، وفي الظلمات خبره/ والجملةُ صلةُ " مَنْ " و " مَنْ " مجرورة بالكاف والكافُ ومجرورها كما تقدَّم في محل رفع خبراً ل مَنْ الأولى ، و " ليس بخارج " في محلِّ نصب على الحال من الموصول أي : مثل الذي استقر في الظلمات حال كونه مقيماً فيها . وقال أبو البقاء : " ليس بخارجٍ في موضع الحال من الضمير في " منها " ، ولا يجوز أن يكون حالاً من الهاء في " مَثَلُه " للفصل بينه وبين الحال بالخبر " . وجعل مكي الجملة حالاً من الضمير المستكنِّ في " الظلمات " . وقرأ طلحة بن مصرف " أَفَمَنْ كان " بالفاء بدل الواو .

قوله : { كَذَلِكَ زُيِّنَ } نعتٌ لمصدر فقدَّره بعضهم : زُيِّن للكافرين تزييناً كما أحيينا المؤمنين ، وقدَّره آخرون : زُيّن للكافرين تزييناً لكونِ الكافرين في ظلمات مقيمين فيها ، والفاعل المحذوف مِنْ " زُيِّن " المنوبُ عنه هو الله تعالى ، ويجوز أن يكون الشيطان ، وقد صَرَّح بكل من الفاعلين مع لفظ " زَيَّن " قال تعالى : { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ } [ النمل : 4 ] وقال تعالى :

{ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [ العنكبوت : 38 ] و { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } هو القائمُ مقامَ الفاعل ، و " ما " يجوز أن تكون موصولة اسميةً أو حرفيةً أو نكرة موصوفة ، والعائد على القول الأول والثالث محذوف دون الثاني عند الجمهور ، على ما عُرِفَ غيرَ مرة . وقال الزجاج : " موضع الكاف رفعٌ ، و المعنى : مثل ذلك الذي قَصَصْنا عليك زُيِّن للكافرين أعمالهم " .