التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

{ أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ( 122 ) } [ 122 ] .

تتساءل الآية على سبيل التمثيل عما إذا كان يصح في العقل أن يكون من أحياه الله بعد جهله وضلاله بالهدى وجعل له منه نورا يمشي به في الطريق القويم الواضح . مثل الذي يتسكع في الظلمات لا يستطيع أن يخرج منها ، أو أن يرى الطريق القويم الواضح . ثم تقرر تقريرا فيه معنى التنديد والتقريع بأن الكافرين الذين هم الفريق الثاني إنما صاروا كذلك لأنهم زين لهم عملهم المنحرف فرأوه حسنا واستمروا فيه .

وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في صدد المقايسة بين رجل من المسلمين وآخر من المشركين اختلفت الروايات في اسميهما ، منها ما ذكر أنهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو جهل ، ومنها ما ذكر أنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو جهل ، ومنها ما ذكر أنهما عمار بن ياسر أو حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما وأبو جهل{[938]} . ومع أن الآيات التي تلي هذه الآية قد تساعد على القول إن هذه الآية في صدد التنديد ببعض أكابر مشركي قريش وبالتالي تساعد على القول بوجاهة إحدى تلك الروايات إجمالا ، فإن هذا لا يمنع أن تكون جاءت تعقيبا على الآيات السابقة بسبيل التنديد بالذين يسيرون على وهم وجهل ومكابرة ، وبسبيل التنبيه إلى ما بينهم وبين الذين يسيرون على علم وهدى من فرق عظيم ، بصورة عامة وهو ما رجحه ابن كثير ، وأن تكون الآيات التالية لها قد جاءت استطرادا لذكر مواقف مكابرة أكابر المجرمين وعنادهم وهذا ما نرجحه .

والآية في حد ذاتها من روائع الآيات في أسلوبها وتنويهها وتنديدها ، وفيها تلقين جليل مستمر المدى ينطبق على كل ظرف ومكان في سبيل المقايسة بين الضالين والمهتدين ، والمستقيمين والمنحرفين . ويمكن تأويل جملة ( زين لهم ) بأن فساد أخلاقهم وارتكاسهم في تقليد الجاهلية وعنادهم هو الذي زين لهم عملهم ، وبذلك يزول أي وهم وإشكال قد يردان على بال إنسان ما . والله تعالى أعلم .


[938]:انظر تفسيرها في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والطبرسي.