البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

{ أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } قال ابن عباس : نزلت في حمزة وأبي جهل رمي الرسول بفرث فأخبر بذلك حمزة حين رجع من قنصه وبيده قوس ، وكان لم يسلم فغضب فعلاً بها أبا جهل وهو يتضرع إليه ويقول : سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا ، فقال حمزة : ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله وأسلم .

وعن ابن عباس أيضاً أنها نزلت في عمار وأبي جهل .

وقال زيد بن أسلم : في عمر وأبي جهل لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين مثل تعالى بأن شبه المؤمن بعد أن كان كافراً بالحي المجعول له نور يتصرف به كيف سلك ، والكافر بالمختلط في الظلمات المستقر فيها دائماً ليظهر الفرق بين الفريقين والموت والحياة والنور والظلمة مجاز فالظلمة مجاز عن الكفر والنور مجاز عن الإيمان والموت مجاز عن الكفر .

وقال الماتريدي : الموت مجاز عن كونه في ظلمة البطن لا يبصر ولا يعقل شيئاً ثم أخرج فأبصر وعقل ، نقول : لا يستوي من أخرج من الظلمات ومن ترك فيها فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق ويعمل به ، والكافر الذي لا يبصر ونحو منه قول ابن بحر قال : أو من كان نطفة أو علقة أو مضغة فصورناه ونفخنا فيه الروح ، انتهى ؛ وأما النور فهو نور الحكمة أو نور الدين أو القرآن أقوال .

وقال أبو عبد الله الرازي : الحياة الاستعداد لقبول المعارف فتحصل له علوم كلية أولية وهي المسماة بالعقل والنور ما توصل إليه تركيب تلك البديهيات من المجهولات النظرية ومشيه في الناس كونه صار محضراً للمعارف القدسية والجلايا الروحانية ناظراً إليها ، ويمكن أن يقال : الحياة الاستعداد القائم بجوهر الروح والنور اتصال نور الوحي والتنزيل به فالبصيرة لا بد فيها من أمرين : سلامة حاسة العقل ، وطلوع نور الوحي كما أن البصر لا بد فيه من أمرين : سلامة الحاسة وطلوع الشمس ؛ انتهى ، ملخصاً .

وهو بعيد من مناحي كلام العرب ومفهوماتها ولما ذكر صفة الإحسان إلى العبد المؤمن نسب ذلك إليه فقال : { فأحييناه وجعلنا له نوراً } وفي صفة الكافر لم ينسبها إلى نفسه بل قال : { كمن مثله في الظلمات } ولما كانت أنواع الكفر متعددة قال { في الظلمات } ولما ذكر جعل النور للميت قال : { يمشي به في الناس } أي يصحبه كيف تقلب ، وقال : { في الناس } إشارة إلى تنويره على نفسه وعلى غيره من الناس فذكر أن منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه وقابل تصرفه بالنور وملازمة النور له باستقرار الكافر { في الظلمات } وكونه لا يفارقها ، وأكد ذلك بدخول الباء في خبر ليس ويبعد قول من قال : إن النور والظلمة هما يوم القيامة إشارة إلى قوله : { يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } وإلى ظلمة جهنم وتقدم الكلام على مثل في قوله { كمثل الذي استوقد ناراً } وقرأ طلحة أفمن الفاء بدل الواو .

{ كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } الإشارة بذلك إلى إحياء المؤمن أو إلى كون الكافر في الظلمات أي كما أحيينا المؤمن زين للكافر أو ككينونة الكافر في الظلمات ، زين للكافرين والفاعل محذوف .

قال الحسن : هو الشيطان ، وقال غيره : الله تعالى وجوز الوجهين الزمخشري ، وتقدم الكلام في التزيين وقيل : المزين الأكابر الأصاغر .