غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (122)

122

التفسير : إنه سبحانه بعد أن ذكر أن المشركين يجادلون المؤمنين ضرب مثلاً للفريقين فبيّن أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتاً فجعله الله حياً وأعطاه نوراً يهتدي به في مصالحه ، وأن الكافر بمنزلة من هو في الظلمات منغمس فيها لا خلاص له منها فيكون متحيراً على الدوام ، وهل هما خاصان أو عامان فيه قولان : الأول قال ابن عباس : يريد حمزة بن عبد المطلب وأبا جهل ؛ وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وآله بفرث وحمزة ولم يؤمن بعد ، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس ، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه ويقول : يا أبا يعلي أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا ؟ فقال حمزة : ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله ، أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فنزلت الآية . وعن مقاتل : نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وأبي جهل ؛ وذلك أنه قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه . والله لا نؤمن به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ، وعن عكرمة أنها في عمار بن ياسر وأبي جهل ، وعن الضحاك هي في عمر بن الخطاب وأبي جهل . والقول الثاني أنها عامة في كل مؤمن وكافر لحصول المعنى في الكل . وإنما جعل الكفر موتاً لأنه جهل والجهل يوجب الحيرة والوقفة فهو كالموت الذي يوجب السكون . وأيضاً الميت لا يهتدي إلى شيء وكذلك الجاهل ، والهدى علم وبصيرة وهما يوجبان الفوز بالمطالب كالحياة والنور ، قال بعض العلماء : قوله : { أو من كان ميتاً } إشارة إلى أول مراتب النفس الإنسانية وهي الاستعداد المحض المسماة بالعقل الهيولاني عند الحكيم . وقوله : { فأحييناه } إشارة إلى ثانية مراتبها المسماة بالعقل بالملكة وهي أن يحصل لها العلوم الكلية الأولية . وقوله { وجعلنا له نوراً } إشارة إلى ثالثة المراتب وهي التي قد حصلت لها المعقولات المكتسبة ولكنها لا تكون حاضرة بالفعل بل تكون بحيث متى شاء صاحبها استرجاعها واستحضارها قدر عليه ولهذا يسمى عقلاً بالفعل أي الفعل القريب ، وقوله : { يمشي به في الناس } إشارة إلى رابعة المراتب وهي النهاية المسماة بالعقل المستفاد ، وقد حصلت المعارف القدسية والجلايا الروحانية للنفس حاضرة بالفعل وصار جوهر الروح مشرقاً بتلك المعارف مستضيئاً بها . ويمكن أن يقال : الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الروح ، والنور عبارة عن اتصال نور الوحي والتنزيل فإنه لا بد في الإبصار من أمرين : سلامة الحاسة والنور الخارجي من الشمس والسراج ، فكذلك البصيرة لا بد لها في الإدراك من سلامة حاسة العقل ومن طلوع نور الوحي فلهذا قال جمع من المفسرين : المراد بهذا النور القرآن ، ومنهم من قال : نور الدين أو نور الحكمة . والأقوال متقاربة ، وأما مثل الكافر فهو{ كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } وفيه أن ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت كالصفة اللازمة له لا تكاد تزول عنه فيبقى متحيراً خائفاً فزعاً نعوذ بالله من هذه الحالة . ومعنى المثل هاهنا الصفة الغريبة أي كمن صفته هذه والمراد كمن هو في الظلمات . ثم قال : { كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } والمزين هو الله بالتحقيق عند الأشاعرة . والشيطان بالحقيقة أو الله مجازاً عند المعتزلة ، والإضافة إلى الله بالحقيقة أو المجاز أولى بدليل قوله : { وكذلك جعلنا } .

/خ130