معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

قوله تعالى : { مهطعين } ، قال قتادة : مسرعين . قال سعيد بن جبير : الإهطاع النسلان كعدو الذئب . وقال مجاهد : مديمي النظر . ومعنى الإهطاع : أنهم لا يلتفون يمينا ولا شمالا ، ولا يعرفون مواطن أقدامهم . { مقنعي رؤوسهم } ، أي : رافعي رؤوسهم . قال القتيبي : المقنع : الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه . وقال الحسن : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء ، لا ينظر أحد إلى أحد . { لا يرتد إليهم طرفهم } أي : لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر ، وهي شاخصة قد شغلهم ما بين أيديهم . { وأفئدتهم هواء } ، أي : خالية . قال قتادة : خرجت قلوبهم عن صدروهم ، فصارت في حناجرهم ، لا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها ، فالأفئدة هواء لا شيء فيها ، ومنه سمي ما بين السماء والأرض هواء لخلوه . وقيل : خالية لا تعي شيئا ولا تعقل من الخوف . وقال الأخفش : جوفاء لا عقول لها ، والعرب تسمى كل أجوف خلو هواء . وقال سعيد بن جبير : { وأفئدتهم هواء } أي : مترددة ، تمور في أجوافهم ، ليس لها مكان تستقر فيه . وحقيقة المعنى : أن القلوب زائلة عن أماكنها ، والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

{ مُهْطِعِينَ } أي : مسرعين إلى إجابة الداعي حين يدعوهم إلى الحضور بين يدي الله للحساب لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ ، { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أي : رافعيها قد غُلَّتْ أيديهم إلى الأذقان ، فارتفعت لذلك رءوسهم ، { لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } أي : أفئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت إلى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

ثم بين - سبحانه - بعض أحوال هؤلاء الظالمين فى هذا اليوم العظيم فقال - تعالى - : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } .

والإِهطاع السير السريع . يقال : أهطع فلان فى مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع فى سيره بذلة واضطراب .

و { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أى رافعيها ، يقال : أهطع فلان رأسه ، إذا نصبه ورفعه دنون أن يلتفت يمينا أو شمالا . وقيل ، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها .

الأفئدة : جمع فؤاد ، والمراد بها القلوب .

والمعنى : أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم فى هذا اليوم مسرعين إلى الداعى بذلة واستكانة ، كإسراع الأسير الخائف ، رافعى رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شئ .

{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أى : لا تتحرك أجفان عيونهم ، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه فى هذا اليوم العصيب .

{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } أى : وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم ، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة ، ومنه قولهم فى شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء ، أى لا رأى فيه ولا قوة .

وأفرد هواء وإن كان خبرا عن جمع لأنه فى معنى فارغة أو خالية .

قال - تعالى - { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً . . . } أى خاليا من كل شئ إلا من التفكير فى شأن مصير ابنها موسى - عليه السلام - .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء الظالمين فى هاتين الآيتين بجملة من الصفات الدالة على فزعهم وحيرتهم .

وصفهم أولا بشخوص الأبصار ، ووصفهم ثانيا بالإِسراع إلى الداعى فى ذلة وانكسار ، ووصفهم ثالثا برفع رءوسهم فى حيرة واضطراب ، ووصفهم رابعا : بانفتاح عيونهم دون أن تطرف من شدة الوجل ، ووصفهم خامسا بخلو قلوبهم من إدارك أى شئ بسبب ما اعتراهم من دهشة ورعب .

وقوله - سبحانه - : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } من باب التشبيه البليغ الذى حذفت فيه الأداة ، والتقدير : وقلوبهم كالهواء فى الخلو من الإدراك من شدة الهول .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

الإهطاع : إسراع المشي مع مد العنق كالمتختل ، وهي هيئة الخائف .

وإقناع الرأس : طأطأته من الذل ، وهو مشتق من قَنَع من باب مَنَع إذا تذلّل . و { مهطعين مقنعي رؤوسهم } حالان .

وجملة { لا يرتد إليهم طرفهم } في موضع الحال أيضاً . والطَرْف : تحرك جفن العين .

ومعنى { لا يرتد إليهم } لا يرْجع إليهم ، أي لا يعود إلى معتاده ، أي لا يستطيعون تحويله . فهو كناية عن هول ما شاهدوه بحيث يبقون ناظرين إليه لا تطرف أعينهم .

وقوله : { وأفئدتهم هواء } تشبيه بليغ ، إذ هي كالهواء في الخلو من الإدراك لشدة الهول .

والهواء في كلام العرب : الخلاء . وليس هو المعنى المصطلح عليه في علم الطب وعلم الهيئة .