النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

قوله عز وجل : { مهطعين } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : معناه مسرعين قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، مأخوذ من أهطع يهطع إهطاعاً إذا أسرع ، ومنه قوله تعالى : { مهطعين إلى الداع } أي مسرعين . قال الشاعر :

بدجلة دارُهُم ولقد أراهم *** بدجلة مهطعين إلى السماع

الثاني : أنه الدائم النظر لا يطرف ، قاله ابن عباس والضحاك .

الثالث : أنه المطرِق الذي لا يرفع رأسه ، قاله ابن زيد .

{ مقنعي رءُوسهم } وإقناع الرأس فيه تأويلان :

أحدهما : ناكسي رؤوسهم بلغة قريش ، قاله مؤرج السدوسي وقتادة .

الثاني : رافعي رؤوسهم ، وإقناع الرأس رفْعُه ، قاله ابن عباس ومجاهد ، ومنه قول الشاعر :

أنغض رأسه نحوي وأقنعا *** كأنما أبصَرَ شيئاً أطمعَا

{ لا يرتد إليهم طرفهم } أي لا يرجع إليهم طرفهم ، والطرف هو النظر وسميت العَيْن طرْفاً لأنها بها يكون ، قال جميل :

وأَقْصِرُ طَرْفي دُون جُمْل كرامةً *** لجُمْلٍ وللطرْفِ الذي أنا قاصِر

{ وأفئدتهم هواءٌ } والمراد بالأفئدة مواضع القلوب ، وهي الصدور .

وقوله : { هواء } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : أنها تتردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه فكأنها تهوي ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد .

الثاني : أنها قد زالت عن أماكنها حتى بلغت الحناجر ، فلا تنفصل ولا تعود ، قاله قتادة .

الثالث : أنها المتخرقة التي لا تعي شيئاً ، قاله مُرّة .

الرابع : أنها خالية من الخير ، وما كان خالياً فهو هواء ، قاله ابن عباس ومنه قول حسان :

ألا أبلِغ أبا سفيان عني *** فأنتَ مُجوَّف نخب هواء{[1654]}


[1654]:البيت من قصيدته التي مطلعها: عقت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء قالها رضي الله عنه يوم فتح مكة وقد جاءت في ديوانه كما أوردها ابن هشام في السيرة النبوية 4/64 وما بعدها بتحقيق مصطفى السقا ورفاقه المجوف: الجبان الذي لا قلب له. والنخب: من النخب بمعنى النزع يقال: رجل نخب أي جبان، كأنه منتزع الفؤاد.