فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

{ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ( 43 ) }

{ مُهْطِعِينَ } أي مسرعين قاله قتادة وزاد في الجمل إلى الداعي وهو إسرافيل وقيل هو جبريل والنافخ إسرافيل . قال الشهاب : وهو الأصح كما دلت عليه الآثار وقيل المهطع الذي يديم النظر . قاله مجاهد .

قال أبو عبيدة : قد يكون الوجهان جميعا ، يعني الإسراع مع إدامة النظر ، وقيل المهطع الذي لا يرفع رأسه وقال ثعلب : المهطع الذي ينظر في ذل وخضوع وقيل هو الساكت ، قال النحاس : والمعروف في اللغة أهطع إذا أسرع ، وبه قال أبو عبيدة ، قال ابن عباس : يعني بالاهطاع النظر من غير أن يطرف .

{ مُقْنِعِي رُؤوسِهِمْ } إقناع الرأس رفعه ، وأقنع صوته إذا رفعه ، وقال ابن عباس : الإقناع رفع الرأس ، والمعنى أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذل ولا ينظر بعضهم إلى بعض ، وقيل أن إقناع الرأس نكسة ، وقيل يقال أقنع إذا رفع رأسه وأقنع رأسه إذا طأطأه ذلة وخضوعا ، والآية محتملة للوجهين ، قال المبرد : والقول الأول أعرف في اللغة .

{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أي لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة الخوف ، وأصل الطرف تحريك الأجفان ، وسميت العين طرفا لأنه يكون لها ، وقال ابن عباس : يعني شاخصة أبصارهم قد شغلهم ما بين أيديهم { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } الهواء في اللغة الجوف الخالي الذي لم تشغله الأجرام ، والمعنى أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم لما شاهدوا من الفزع والحيرة والدهش وجعلها نفس الهواء مبالغة ومنه قيل للأحمق والجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة .

وقيل معنى الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت في الحناجر لا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها ، وقيل هواء بمعنى مترددة تهوي في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه ، وقيل المعنى إن أفئدة الكفار في الدنيا خالية عن الخير . قال ابن عباس : ليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة ، قال قتادة : ليس فيها شيء خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم ، وعن مرة قال : منخرقة لا تعي شيئا ، وقيل المعنى وأفئدتهم ذات هواء .

ومما يقارب معنى هذه الآية قوله تعالى : { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } أي خاليا من كل شيء إلا من هم موسى عليه السلام ، والحاصل أن القلوب يومئذ زائلة عن أماكنها والأبصار شاخصة والرؤوس مرفوعة إلى السماء من هول ذلك اليوم وشدته .