معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

قوله تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به } ، تركوا ما وعظوا وأمروا به .

قوله تعالى : { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } ، قرأ أبو جعفر . ( فتحنا ) بالتشديد ، في كل القرآن ، وقرأ ابن عامر كذلك إذا كان عقيبه جمعاً ، والباقون بالتخفيف ، وهذا فتح استدراج ومكر ، أي بدلنا مكان البلاء والشدة الرخاء والصحة .

قوله تعالى : { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } . وهذا فرح بطر مثل فرح قارون بما أصاب من الدنيا .

قوله تعالى : { أخذناهم بغتة } فجأة ، آمن ما كانوا ، وأعجب ما كانت الدنيا إليهم .

قوله تعالى : { فإذا هم مبلسون } . آيسون من كل خير ، وقال أبو عبيدة : المبلس ، النادم الحزين ، وأصل الإبلاس : الإطراق من الحزن والندم ، روى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته ، فإنما ذلك استدراج ، ثم تلا : { فلما نسوا ما ذكروا به } الآية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } من الدنيا ولذاتها وغفلاتها . { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } أي : آيسون من كل خير ، وهذا أشد ما يكون من العذاب ، أن يؤخذوا على غرة ، وغفلة وطمأنينة ، ليكون أشد لعقوبتهم ، وأعظم لمصيبتهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

ثم بين - سبحانه - أنه قد ابتلاهم بالنعم بعد أن عالجهم بالشدائد فلم يرتدعوا فقال - تعالى - :

{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } .

والمعنى : فلما أعرضوا عن النذر والعظات التى وجهها إليهم الرسل ، فتحنا عليهم أبواب كل شىء من الرزق وأسباب القوة والجاه . حتى إذا اغتروا وبطروا بما أوتوا من ذلك أخذناهم بغتة فإذا هم متحسرون يائسون من النجاة .

ولفاء فى قوله - تعالى - { فَلَمَّا نَسُواْ } لتفصيل ما كان منهم . وبيان ما ترتب على كفرهم من عواقب قريبة وأخرى بعيدة .

والمراد بالنسيان هنا : الإعراض والترك . أى : تركوا الإهتداء بما جاء به الرسل حتى نسوه أو جعلوه كالمنسى فى عدم الاعتبار والاتعاظ به لإصرارهم على كفرهم ، وجمودهم على تقليد من قبلهم .

والتعبير بقوله - تعالى - { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } يرسم صورة بليغة لإقبال الدنيا عليهم من جميع أقطارها بجميع ألوان نعمها ، وبكل قوتها وإغرائها ، فهو اختبار لهم بالنعمة بعد أن ابتلاهم بالبأساء والضراء .

وعبر - سبحانه - عن إعطائهم النعمة بقوله : { بِمَآ أوتوا } بالبناء للمجهول لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم ، كما قال قارون من قبل { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي } وأضاف - سبحانه - الأخذ إلى ذاته فى قوله { أَخَذْنَاهُمْ } لأنهم كانوا لا ينكرون ذلك ، بل كانوا ينسبون الخلق والإيجاد إلى الله - تعالى - .

وكان الأخذ بغتة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا ، أى أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كوننا مباغتين لهم . أو حال كونهم مبغوتين ، فقد فجأهم العذاب على غرة بدون إمهال .

وإذا فى قوله { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } فجائية ، والمبلس : الباهت الحزين البائس من الخير ، الذى لا يحير جواباً لشدة ما نزل به من سوء الحال .

روى الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " وإذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج " ، ثم تلا قوله - تعالى - { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } . . الاية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

{ فلما نسوا } الآية ، عبر عن الترك بالنسيان إذا بلغ وجوه الترك الذي يكون معه نسيان وزوال المتروك عن الذهن ، وقرأ ابن عامر فيما روي عنه «فتّحنا » بتشديد التاء ، و { كل شيء } معناه مما كان سد عليهم بالبأساء والضراء من النعم الدنياوية ، فهو عموم معناه خصوص ، و { فرحوا } معناه بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك لا يبيد وأنه دال على رضى الله عنهم ، وهو استدراج من الله تعالى ، وقد روي عن بعض العلماء أنه قال : رحم الله عبداً تدبر هذه الآية { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة } وقال محمد بن النضير الحارثي : أمهل القوم عشرين سنة ، وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا رأيتم الله يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فذلك استدراج » ثم تلا { فلما نسوا } الآية كلها{[4918]} .

و { أخذناهم } ، وهو مصدر في موضع الحال لا يقاس عليه عند سيبويه ، و «المبلس » الحزين الباهت اليائس من الخير الذي لا ُيحير جواباً لشدة ما نزل به من سوء الحال{[4919]} .


[4918]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان مع بعض التغيير في الألفاظ، ورمز له في "الجامع الصغير" بأنه حديث حسن. وفي نفس المعنى قال الحسن: "والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه. وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خير له فيها إلا كان قد نقص عمله، وعجز رأيه".
[4919]:- وجاء على هذا المعنى قول العجاج: يا صاح هل تعرف رسما ُمْكرسا؟ قال نعم أعرفه وَأْبَلسا أي: تحيّر لهول ما رأى وسكت غمّا، ومن ذلك اشتق اسم (إبليس)، والمُكرس: الذي صار فيه الكرس (بالكسر) وهو أبوال الإبل وأبعارها التي يتلبد بعضها على بعض في الدار والدّمن.