إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

وقوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكّرُوا بِهِ } عطفٌ على مقدَّر ينساق إليه النظمُ الكريم أي فانهمَكوا فيه ونسُوا ما ذُكَّروا به من البأساء والضّراء ، فلما نسوه { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شيء } من فنون النَّعْماء على منهاج الاستدراج ، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «مُكِر بالقوم ورب الكعبة » وقرئ ( فتّحنا ) بالتشديد للتكثير وفي ترتيب الفتح على النسيان المذكور إشعارٌ بأن التذكر في الجملة غير خالٍ عن النفع ، و( حتى ) في قوله تعالى : { حتى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا } هي التي يُبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الشرطية كما في قوله تعالى : { حتى إِذَا جَاء أَمْرُنَا } [ هود ، الآية 40 ] الآية ونظائرِه ، وهي مع ذلك غاية لقوله تعالى : { فَتَحْنَا } أو لما يدل هم عليه كأنه قيل : ففعلوا ما فعلوا حتى إذا اطمأنوا بما أتيح لهم وبطِروا وأشِروا{[212]} { أخذناهم بَغْتَةً } أي نزل بهم عذابنا فجأةً ليكون أشدَّ عليهم وقعاً وأفظع هولاً { فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } متحسِّرون غاية الحسرة آيسون من كل خير ، واجمون ، وفي الجملة الاسمية دلالة على استقرارهم على تلك الحالة الفظيعة .


[212]:بطر وأشِر: بمعنى وهو نشط وغلا في المرح والزهو. وبطر النعمة: استخفّها وكفرها.