بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ} (44)

ثم قال :

{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } يعني : الأمم الخالية حين لم يعتبروا بالشدة ولم يرجعوا : { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء } من النعم والخصب ويقال : إن الله تعالى يبتلي العوام بالشدة ، فإذا أنعم عليهم يكون استدراجاً . وأما الخواص فيبتليهم بالنعمة والرخاء فيعرفون ويعدّون ذلك بلاء . كما روي في الخبر : إن الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران إذا رأيت الفقر مقبلاً إليك فقل : مرحباً بشعار الصالحين . وإذا رأيت الغنى مقبلاً إليك فقل : ذنب عجلت عقوبته فهؤلاء الذين أرسل إليهم ، ابتلاهم الله تعالى بالشدة ، فلم يعتبروا ولم يرجعوا ، فتح عليهم أبواب كل خير عقوبة لهم لكي يعتبروا فيها .

قال الفقيه : حدّثنا الخليل بن أحمد قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد قال : حدّثنا أبو عتبة قال : حدّثنا محمد بن حمير عن شهاب بن خراش عن حرملة عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رَأَيْتَ الله يُعْطِي عَبْداً مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِمَّا يُحِبَّ فإنَّمَا ذلك مِنْهُ اسْتِدْرَاج » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء } الآية . وقال الحسن : والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها إلا كان قد نقص عمله وعجز رأيه . وما أمسكها الله تعالى عن عبد فلم يظن أنه قد خير له فيها إلا كان قد نقص عمله وعجز رأيه . { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } يعني : تركوا ما وعظوا به { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء } يعني : أرسلنا عليهم كل خير . ويقال : { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيء مِنَ الرزق } قرأ ابن عامر : { فَتَحْنَا } بالتشديد على معنى المبالغة . والباقون بالتخفيف { حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } من أنواع الخير فأعجبهم ما هم فيه { أخذناهم بَغْتَةً } يعني : أصبناهم بالعذاب فجأة { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } يعني : آيسين من كل خير . وقال مجاهد : الإبلاس : الفضيحة . وقال الفراء : المبلس : المنقطع بالحجة . وقال الزجاج : المبلس : الشديد الحسرة والآيس الحزين . وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير . ومعناه : فلما فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، ونسوا ما ذكروا به أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون .