معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية إلا قوله : { ولا يزال الذين كفروا } ، وقوله : { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً } ، وهي ثلاث وأربعون آية .

{ المر } قال ابن عباس : معناه : أنا الله أعلم وأرى ، { تلك آيات الكتاب } ، يعني : تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ، { والذي أنزل إليك } ، يعني : وهذا القرآن الذي أنزل إليك ، { من ربك الحق } ، أي : هو الحق فاعتصم به . فيكون محل " الذي " رفعا على الابتداء ، و " الحق " خبره . وقيل : محله خفض ، يعني : تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ، ثم ابتدأ : " الحق " ، يعني : ذلك الحق . وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن ، ومعناه : هذه آيات الكتاب ، يعني القرآن ، ثم قال : وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق . { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } ، قال مقاتل : نزلت في مشركي مكة حين قالوا : إن محمدا يقوله من تلقاء نفسه ، فرد قولهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الرعد ، وهي مدنية ، وقيل : مكية

{ 1 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ }

يخبر تعالى أن هذا القرآن هو آيات الكتاب الدالة على كل ما يحتاج إليه العباد من أصول الدين وفروعه ، وأن الذي أنزل إلى الرسول من ربه هو الحق المبين ، لأن أخباره صدق ، وأوامره ونواهيه عدل ، مؤيدة بالأدلة والبراهين القاطعة ، فمن أقبل عليه وعلى علمه ، كان من أهل العلم بالحق ، الذي يوجب لهم علمهم العمل بما أحب الله .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } بهذا القرآن ، إما جهلا وإعراضا عنه وعدم اهتمام به ، وإما عنادا وظلما ، فلذلك أكثر الناس غير منتفعين به ، لعدم السبب الموجب للانتفاع .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سور الرعد

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه .

وبعد : فهذا تفسير تحليلي لسورة " الرعد " توخيت فيه أن أبرز ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة من توجيهات سامية ، وآداب عالية ، وهدايات تامة ، وأحكام حكيمة ، وتراكيب بليغة . . .

والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده وشفيعاً لنا يوم نلقاه ، إنه –سبحانه- أكرم مسئول ، وأعظم مأمول .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

المؤلف

الدكتور محمد سيد طنطاوي

تمهيد بين يدي سورة الرعد

نريد بهذا التمهيد –كما سبق أن ذكرنا في تفسير السورة السابقة- إعطاء القارئ الكريم صورة واضحة عن سورة الرعد ، قبل أن نبدأ في تفسيرها آية فآية فنقول –وبالله التوفيق :

1- سورة الرعد هي السورة الثالثة عشرة في ترتيب المصحف ، فقد سبقتها اثنتا عشرة سورة ، هي سور : الفاتحة ، والبقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، والتوبة ، ويونس ، وهود ، ويوسف .

2- وسميت بهذا الاسم منذ العهد النبوي ، ولم يعرف لها اسم سوى هذا الاسم ، ولعل سبب تسميتها بذلك ، ورود ذكر الرعد فيها ، في قوله –تعالى- [ ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته . . . ]( {[1]} ) .

3- وعدد آياتها ثلاث وأربعون آية في المصحف الكوفي ، وأربع وأربعون آية في المدني ، وخمس وأربعون في البصري ، وسبع وأربعون في الشامي( {[2]} ) .

4- والذي يقرأ أقوال المفسرين في بيان زمان نزولها ، يراها أقوالاً ينقصها الضبط والتحقيق .

فهناك روايات صرحت بأنها مكية ، وأخرى صرحت بأنها مدنية ، وثالثة بأنها مكية إلا آيات منها فمدنية ، ورابعة بأنها مدنية إلا آيات منها فمكية . . .

قال الآلوسي : " جاء من طريق مجاهد عن ابن عباس وعلى بن أبي طلحة أنها مكية " .

وروى ذلك عن سعيد بن جبير –أيضاً- .

قال سعيد بن منصور في سننه ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال : سألت ابن جبير عن قوله –تعالى- [ ومن عنده علم الكتاب ] هل هو عبد الله بن سلام ؟ فقال : كيف وهذه السورة مكية .

وأخرج مجاهد عن ابن الزبير ، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس ، ومن طريق ابن جريج وعثمان بن عطاء عنه أنها مدنية .

وأخرج أبو الشيخ عن قتادة أنها مدنية إلا قوله –تعالى- [ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة . . الآية ] فإنها مكية .

وروى أن من أولها إلى آخر قوله –تعالى- [ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال . . . ] .

نزل بالمدينة ، أما باقيها فنزل في مكة . . ( {[3]} ) .

هذه بعض الروايات في زمان نزولها ، وهي –كما ترى- التعارض فيها واضح .

والذي تطمئن إليه النفس ، أن السورة الكريمة يبدو بوضوح فيها طابع القرآن المكي ، سواء أكان ذلك في موضوعاتها ، أم في أسلوبها ، أم في غير ذلك من مقاصدها وتوجيهاتها .

وأن نزولها –على الراجح- كان في الفترة التي أعقبت موت أبي طالب ، والسيدة خديجة –رضي الله عنها- .

وهي الفترة التي لقي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ما لقي من أذى المشركين وعنتهم ، وطغيانهم . .

والذي جعلنا نرجح أن نزولها كان في هذه الفترة ، ما اشتملت عليه السورة الكريمة ، من أدلة متنوعة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، ومن تسلية له صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه –كما سنرى ذلك عند تفسيرنا لآياتها ، كذلك مما جعلنا نرجح أن نزولها كان في هذه الفترة ، قول السيوطي في كتابه الإتقان : " ونزلت بمكة سورة الأعراف ، ويونس ، وهود ، ويوسف ، والرعد . . . " ( {[4]} ) .

وقد رجحنا عند تفسيرنا لسورة يونس ، وهو ، ويوسف –عليهم السلام- أن هذه السور قد نزلت في تلك الفترة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ونرجح هذا أن نزول سورة الرعد كان في تلك الفترة –أيضاً- لمناسبة موضوعاتها لأحداث هذه الفترة .

5- عرض إجمالي لسورة الرعد :

( أ‌ ) لقد افتتحت السورة الكريمة بالثناء على القرآن الكريم ، وبالإشارة إلى إعجازه ، ثم ساقت ألواناً من الأدلة على قدة الله –تعالى- ووحدانيته وعظيم حكمته . . .

[ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ، ثم استوى على العرش ، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ، يدبر الأمر ، يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون . . ] .

( ب‌ ) ثم حكت السورة بعد ذلك جانباً من أقوال المشركين في شأن البعث ، وردت عليهم بما يكبتهم فقال –تعالى- [ وإن تعجب فعجب قولهم ، أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم ، وأولئك الأغلال في أعناقهم ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . . . ] .

( ج ) ثم بينت السورة الكريمة ما يدل على كمال علمه –تعالى- وعلى عظم سلطانه ، وعلى حكمته في قضائه وقدره فقال –تعالى- : [ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد . وكل شيء عنده بمقدار* عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال . . . ] .

( د ) ثم أمر –سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين سؤال تهكم وتوبيخ عمن خلق السموات والأرض فقال –تعالى- : [ قل من رب السموات والأرض قل الله . قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا ، قل هل يستوي الأعمى والبصير ، أم هل تستوي الظلمات والنور ، أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ، فتشابه الخلق عليهم ، قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ] .

( ه ) ضربت السورة الكريمة مثلين للحق والباطل . وعقدت مقارنة بين مصير أتباع الحق ، ومصير أتباع الباطل فقال –تعالى- : [ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ، إنما يتذكر أولوا الألباب* الذي يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق . . ] .

( و ) ثم حكت السورة الكريمة بعض المطالب المتعنتة التي طلبها المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم وردت عليهم بما يمحق باطلهم ، ويزيد المؤمنين إيماناً على إيمانهم فقال –تعالى- : [ ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ، قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب* الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب* الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب . . ] .

( ز ) ثم حكت السورة الكريمة لوناً آخر من غلوهم في كفرهم ، ومن مقترحاتهم الفاسدة ، حيث طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسير لهم بالقرآن جبال مكة ليتفسحوا في أرضها ، ويفجر لهم فيها الأنهار والعيون ليزرعوها ، ويحيي لهم الموتى ليخبروهم بصدقه . . . فقال –تعالى- : [ ولو أن قرآناً سيرت به الجبال ، أو قطت به الأرض ، أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً ، أفلم ييأس الذين آمنوا لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً . . . ] .

( ح ) ثم ختمت السورة الكريمة ، وبتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه وبالشهادة له بالرسالة ، وبتهديد المشركين بالعذاب الأليم ، فقال –تعالى- [ مثل الجنة التي وعد المتقون أكلها دائم وظلها ، تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ] . . .

[ وكذلك أنزلناه حكما عربيا ، ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق* ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب* ] [ ويقول الذين كفروا لست مرسلاً ، قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ، ومن عنده علم الكتاب ] .

6- ومن هذا العرض الإجمالي للسورة الكريمة ، نراها قد اهتمت بالحديث عن موضوعات من أبرزها ما يأتي :

( أ‌ ) إقامة الأدلة المتنوعة على كمال قدرة الله –تعالى- وعظيم حكمته . تارة عن طريق التأمل في هذا الكون وما فيه من سموات مرتفعة بغير عمد ، وأرض صالحة للاستقرار عليها ، وشمس وقمر وكواكب مسخرة لمنافع الناس ، وجبال لتثبيت الأرض ، وأنهار لسقي الزرع . . .

[ وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل ، صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ، ونفضل بعضها على بعض في الأكل ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ] .

وتارة عن طريق علمه المحيط بكل شيء ، فهو العليم بما تنقصه الأرحام وما تزداده في الخلقة وفي المدة وفي غير ذلك ، وهو العليم بأحوال عباده سواء أكانوا ظاهرين بالنهار أم مستخفين بالليل .

[ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد . وكل شيء عنده بمقدار . . . ] .

وتارة عن طريق الظواهر الكونية التي يرسلها –سبحانه- لعباده خوفاً وطمعاً ، [ هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشئ السحاب الثقال* ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته . . . ] .

وتارة عن طريق العطاء والمنع لمن يشاء من عباده : [ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . . . ] .

وتارة عن طريق المصائب والقوارع التي ينزلها –سبحانه- بالكافرين [ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ] .

( ب‌ ) إثبات أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ، والرد على المشركين فيما طلبوه من النبي صلى الله عليه وسلم من مطالب متعنتة ، ومن الآيات التي وردت في ذلك قوله –تعالى- :

[ تلك آيات الكتاب ، والذي أنزل إليك من ربك الحق ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ] .

[ ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ، إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ] .

[ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب ] .

[ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ، وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ] .

[ والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك من الأحزاب من ينكر بعضه ، قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ، إليه أدعو وإليه مآب ] .

( ج ) تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته عما لحقه من أذى ، وذلك لأن السورة الكريمة –كما سبق أن أشرنا- مكية ، وأنها –على الراجح- قد نزلت في فترة اشتد فيها إعراض المشركين عن دعوة الحق وتكذيبهم لها ، وتطاولهم على صاحبها صلى الله عليه وسلم ومطالبتهم له بالخوارق التي لا يؤيدها عقل سليم .

فنزلت السورة الكريمة لتثبت الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، ولتمزق أباطيل المشركين عن طريق حشود من الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه .

ومن الآيات التي وردت في ذلك قوله –تعالى- : [ وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد . أولئك الذي كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات ، وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ] .

وقوله –تعالى- [ ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ] .

وقوله –تعالى- [ وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعاً ، يعلم ما تكسب كل نفس ، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ، ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ] هذه بعض الموضوعات التي نرى السورة الكريمة قد اهتمت بتفصيل الحديث عنها .

وهناك موضوعات أخرى يراها كل من تأمل آياتها بفكر سليم ، وعقل قويم ، وروح صافية . . .

نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا فهم كتابه ، والعمل بما فيه من آداب وأحكام ، وهدايات . . .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

لقد افتتحت سورة الرعد ببعض الحروف المقطعة ، وقد سبق أن تكلمنا عن آراء العلماء في هذه الحروف في سور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس ، وهود ، ويوسف .

وقلنا ما ملخصه : إن أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت في افتتاح بعض السور على سبيل الإِيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين في أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون من كلامكم ، ومنظوماً من حروف هي من جنس الحروف الجهائية التي تنظمون منها كلماتكم .

فإن كنتم في شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم في ذلك ، فإن لم تستطيعوا أن تأتوا بمثله فهاتوا عشر سور من مثله ، فإن لم تستطيعوا فهاتوا سورة واحدة من مثله . .

ومع كل هذا التساهل معهم في التحدى ، فقد عجزوا وانقلبوا خاسرين ، فثبت بذلك أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .

{ تلك } اسم إِشارة ، والمشار إليه الآيات ، والمراد بها آيات القرآن الكريم ، ويدخل فيها آيات السورة التي معنا .

والمراد بالكتاب : القرآن الكريم الذي أنزله - سبحانه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - لإِخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإِسلام .

وقوله { والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحق } تنويه بشأن القرآن الكريم ، ورد على المشركين الذين زعموا أنه أساطير الأولين .

أى : تلك الآيات التي نقرؤها عليك - يا محمد - في هذه السورة هي آيات الكتاب الكريم ، وما أنزله الله - تعالى - عليك في هذا الكتاب ، هو الحق الخالص الذي لا يلتبس به باطل ، ولا يحوم حول صحته شك أو التباس .

وفى قوله - سبحانه - { مِن رَّبِّكَ } مزيد من التلطف في الخطاب معه - صلى الله عليه وسلم - فكأنه - سبحانه - يقول له : إن ما نزل عليك من قرآن هو من عند ربك الذي تعهدك بالرعاية والتربية حتى بلغت درجة الكمال .

واسم الموصول { الذى } مبتدأ ، والجملة بعد صلة ، والحق هو الخبر . . .

وقوله { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ } استدراك لبيان موقف أكثر الناس من هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

أى : لقد أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن بالحق ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون به لانطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد على نفوسهم . . .

وفى هذا الاستدراك ، مدح لتلك القلة المؤمنة من الناس ، وهم أولئك الذين فتحوا قلوبهم للحق منذ أن وصل إليهم ، فآمنوا به ، واعتصموا بحبله ، ودافعوا عنه بأموالهم وأنفسهم وعلى رأس هذه القلة التي آمنت بالحق منذ أن بلغها : أبو بكر الصديق وغيره من السابقين إلى الإِسلام .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
[3]:- سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
[4]:- سورة الجن: الآيتان 1، 2.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{الٓمٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِۗ وَٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

[ وهي مكية ]{[1]}

أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور ، فقد تقدم{[15407]} في أول سورة البقرة ، وقَدَّمنا أن كل سورة تبتدئ بهذه الحروف ففيها الانتصار للقرآن ، وتبيان أن نزوله{[15408]} من عند الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا ريب ؛ ولهذا قال : { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } أي : هذه آيات الكتاب ، وهو القرآن ، وقيل : التوارة والإنجيل . قاله مجاهد وقتادة ، وفيه نظر{[15409]} بل هو بعيد .

ثم عطف على ذلك عطف صفات قوله : { وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ } أي : يا محمد ، { مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ } خبر تقدم مبتدؤه ، وهو قوله : { وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } هذا هو الصحيح المطابق لتفسير مجاهد وقتادة . واختار ابن جرير أن تكون الواو زائدة أو عاطفة صفة{[15410]} على صفة كما قدمنا ، واستشهد بقول الشاعر :

إلى المَلك القَرْمِ وابن الهُمَام *** وَلَيث الكتيبة في المُزْدَحَمْ{[15411]} وقوله : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ } كقوله : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] أي : مع هذا البيان والجلاء والوضوح ، لا يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشقاق والعناد والنفاق .


[1]:زيادة من أ.
[15407]:- في أ : "تقدم الكلام عليها".
[15408]:- في ت ، أ : "أنه نزل".
[15409]:- في ت ، أ : "وفيه تطويل".
[15410]:- في ت ، أ : "لصفة".
[15411]:- البيت في تفسير الطبري (16/321).