معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

قوله تعالى : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } ، الآية . قال مسروق ، وقتادة ، والضحاك : أراد ليس بأمانيكم أيها المسلمون ، ولا أماني أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى ، وذلك أنهم افتخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : نبينا خاتم الأنبياء ، وكتابنا يقضي على الكتب ، وقد آمنا بكتابكم ، ولم تؤمنوا بكتابنا ، فنحن أولى . وقال مجاهد : أراد بقوله : { ليس بأمانيكم } يا مشركي أهل الكتاب ، وذلك أنهم قالوا : لا بعث ولا حساب ، وقال أهل الكتاب { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } [ البقرة : 80 ] { ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } [ البقرة :111 ] فأنزل الله تعالى : { ليس بأمانيكم } . أي : ليس الأمر بالأماني ، وإنما الأمر بالعمل الصالح .

قوله تعالى : { من يعمل سوءا يجز به } . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وجماعة : الآية عامة في حق كل عامل ، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين ، وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءاً غيرك فكيف الجزاء ؟ قال : " منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ، ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر ، وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره " . وأما من يكون جزاؤه في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته ، فيلقى مكان كل سيئة حسنة ، وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة ، فيؤتي كل ذي فضل فضله .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، ثنا أبو بكر محمد بن أحمد العبدوسي ، ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد ، ثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان والحارث بن محمد قالا : ثنا روح هو ابن عبادة ، ثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني مولى بن سباع قال : سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه هذه الآية : { من يعمل سوءاً يجز به }

قوله تعالى : { ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ، ألا أقرئك آية أنزلت علي ؟ قال : قلت بلى ، قال : فأقرأنيها ، قال : ولا أعلم إلا أني وجدت انفصاماً في ظهري ، حتى تمطيت لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك يا أبا بكر ؟ فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، وأينا لم يعمل سوءاً ، إنا لمجزيون بكل سوء عملناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا ، حتى تلقوا الله وليست لكم ذنوب . وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

{ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ْ }

أي : { لَيْسَ ْ } الأمر والنجاة والتزكية { بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ْ } والأماني : أحاديث النفس المجردة عن العمل ، المقترن بها دعوى مجردة لو عورضت بمثلها لكانت من جنسها . وهذا عامّ في كل أمر ، فكيف بأمر الإيمان والسعادة الأبدية ؟ !

فإن أماني أهل الكتاب قد أخبر الله بها أنهم قالوا : { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ْ } وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ولا رسول من باب أولى وأحرى .

وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام لكمال العدل والإنصاف ، فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان ، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه ، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها ولهذا قال تعالى : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ْ } وهذا شامل لجميع العاملين ، لأن السوء شامل لأي ذنب كان{[242]} .

من صغائر الذنوب وكبائرها ، وشامل أيضا لكل جزاء قليل أو كثير ، دنيوي أو أخروي .

والناس في هذا المقام درجات لا يعلمها إلا الله ، فمستقل ومستكثر ، فمن كان عمله كله سوءا وذلك لا يكون إلا كافرا . فإذا مات من دون توبة جوزي بالخلود في العذاب الأليم .

ومن كان عمله صالحا ، وهو مستقيم في غالب أحواله ، وإنما يصدر منه بعض الأحيان بعض الذنوب الصغار فما يصيبه من الهم والغم والأذى و [ بعض ]{[243]}

الآلام في بدنه أو قلبه أو حبيبه أو ماله ونحو ذلك - فإنها مكفرات للذنوب ، وهي مما يجزى به على عمله ، قيضها الله لطفا بعباده ، وبين هذين الحالين مراتب كثيرة .

وهذا الجزاء على عمل السوء العام مخصوص في غير التائبين ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، كما دلت على ذلك النصوص .

وقوله : { وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ْ } لإزالة بعض ما لعله يتوهم أن من استحق المجازاة على عمله قد يكون له ولي أو ناصر أو شافع يدفع عنه ما استحقه ، فأخبر تعالى بانتفاء ذلك ، فليس له ولي يحصل له المطلوب ، ولا نصير يدفع عنه المرهوب ، إلا ربه ومليكه .


[242]:- كذا في ب، وفي أ: لأي سوء كان.
[243]:- زيادة من هامش ب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

ثم بين - سبحانه - أن الوصول إلى رضوانه لا يكون بالأمانى والأوهام وإنما يكون بالإِيمان والعمل الصالح فقال : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } .

والأمانى : جمع أمنية . وهى ما يتمناه الإِنسان ويرغب فيه ويشتهيه من أشياء متنوعة . كحصوله على الخير الوفير فى الدنيا ، وعلى الجنة فى الآخرة . وهى مأخوذة من التمنى .

وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها قول قتادة : ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا . فقال أهل الكتاب . نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى منكم . وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، ونبينا خاتم النبيين . وكتابنا يقضى على الكتب التى كانت قبله . فأنزل الله : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب } . الآية .

وقال مجاهد : قالت العرب لن نبعث ولن نعذب . وقالت اليهود والنصارى { لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى } فأنزل الله - تعالى - { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } . الآية .

والضمير فى قوله { لَّيْسَ } يعود إلى ما تقدم ذكره من الوعد المتقدم وهو نيل الثواب ودخول الجنة .

والخطاب لجميع الفرق التى حدث بينهما تنازع فى شأن الدين الحق ، وفى شأن ما يترتب على ذلك من ثواب .

والمعنى : ليس ما وعدا لله به من الثواب أو إدخال الجنة ، أو ليس ما تحاورتم فيه حاصلا بمجرد أمانكم - أيها المسلمون - أو أمانى أهل الكتاب أو غيرهم ، وإنما ما تمنيتموه جميعا يحصل بالإِيمان الصادق ، وبالعمل الصالح ، وبالسعى والجد فى طاعة الله ، فقد اقتضت سنة الله - تعالى - أن من يعمل خيرا يجد خيرا ، و { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } أى : من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا يجازه الله بها عاجلا أو آجلا إذا تاب ، أو تفضل الله عليه بالمغفرة إذا كان مؤمنا .

وقد سار ابن كثير فى تفسيره على أن الخطاب لجميع الطوائف فقال : " والمعنى فى هذه الآية أن الدين ليس بالتحلى ولا بالتمنى ، ولكن ما وقر فى القلوب وصدقته الأعمال . وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان ؛ ولهذا قال : { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب } .

أى ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمنى . بل العبرة بطاعة الله - سبحانه - واتباع ما شرعه على ألسنة رسله ولهذا قال بعده { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } . كقوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } ومنهم من يرى أن الخطاب فى قوله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } للمسلمين .

وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف بقوله : فى { لَّيْسَ } ضمير وعد الله أى : ليس ينال ما وعد الله من الثواب { بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا } بأمانى أهل الكتاب . والخطاب للمسلمين ، لأنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به . وكذلك ذكر أهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم فى الإيمان بوعد الله .

ومنهم من يرى أن الخطاب للمشركين . وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه : وأولى الأقوال بالصواب فى ذلك ما قاله مجاهد من أنه عنى بقوله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } . مشركى قريش . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب . لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآى قبل قوله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } وإنما جرى ذكر أمانى نصيب الشيطان المفروض فى قوله قبل ذلك . { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ } وقوله { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } فإلحاق معنى قوله - تعالى - { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } بما ذكره قبل أحق وأولى من ادعاء تأويل فيه لا دالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا من أثر الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومع وجاهة هذا الرأى الذى سار عليه ابن جرير ، إلا أنا نؤثر عليه ما ذهب إليه ابن كثير من أن الآية الكريمة تخاطب الناس جميعا سواء أكانوا مؤمنين أم مشركين أم من أهل الكتاب . لأن الآية الكريمة تضع لهم جميعا قاعدة عامة وهى أن الوصول إلى ثواب الله ورضاه لا ينال بالأمانى والأحلام وإنما ينال بالإِيمان والعمل الصالح .

وقوله { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } جملة مكونة من شرط وجزاء . والمراد بالسوء ما يشمل الكفر والمعاصى . وقيل : المراد بالسوء هنا الكفر فقط .

قال الآوسى قوله - تعالى - : { مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ } أى : عاجلا أو آجلا .

فقد أخرج الترمذى وغيره " عن أبى بكر الصديق قال : كنت عند النبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية . فقال رسول الله : يا أبا بكر ألا أقرئك أية نزلت على ؟ فقلت : بلى يا رسول الله . فأقرأنيها فلا أعلم إلا أنى وجدت انفصاما فى ظهرى . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . مالك يا أبا بكر ؟ قلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله وأينا لم يعمل السوء . وإنما لمجزيون بكل سوء علمناه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون بذلك فى الدنيا حتى تلقوا الله - تعالى - ليس عليكم ذنوب . وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزون يوم القيامة " .

وأخرج مسلم وغيره عن أبى هريرة قال : " لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله - تعالى - فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سددوا وقاربوا فإن كل ما أصاب المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها " .

قال الآلوسى : والأحاديث بهذا المعنى أكثر من أن تحصى . ولهذا أجمع عامة العلماء على أن الأمراض والاسقام ومصائب الدنيا وهمومها - وإن قلت مشقتها - يكفر الله - تعالى - بها الخطيئات ، والأكثرون على أنها - أيضا ترفع بها الدرجات ، وهو الصحيح المعول عليه . فقد صح فى غير ما طريق ؛ " ما من مسلم يشاك شكوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة " .

وقوله - تعالى - { بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } تذليل قصد به تأكيد ما قبله من أن ثواب الله لا ينال إلا بالإيمان والعمل الصالح ، وأن عقابه سيحل بمن يعمل السوء .

أى : أن من يعمل السوء سيجازى به ، ولا يجهد هذا المرتكب للسوء أحدا سوى الله - سبحانه - يلى أمره ويحامى عنه ، ولا نصيرا ينصره ويحاول إنجاءه من عقاب الله - تعالى –

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

114

ثم يعقب السياق بقاعدة الإسلام الكبرى في العمل والجزاء . . إن ميزان الثواب والعقاب ليس موكولا إلى الأماني . إنه يرجع إلى أصل ثابت ، وسنة لا تتخلف ، وقانون لا يحابي . قانون تستوي أمامه الأمم - فليس أحد يمت إلى الله سبحانه بنسب ولا صهر - وليس أحد تخرق له القاعدة ، وتخالف من أجله السنة ، ويعطل لحسابه القانون . . إن صاحب السوء مجزى بالسوء ؛ وصاحب الحسنة مجزى بالحسنة . ولا محاباة في هذا ولا مماراة :

( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب . من يعمل سوءا يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا . . ومن يعمل من الصالحات - من ذكر أو أنثى وهو مؤمن - فأولئك يدخلون الجنة ، ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - وهو محسن - واتبع ملة إبراهيم حنيفا ، واتخذ الله إبراهيم خليلاً ) .

ولقد كان اليهود والنصارى يقولون : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) . . وكانوا يقولون : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) . . وكان اليهود ولا يزالون يقولون : إنهم شعب الله المختار !

ولعل بعض المسلمين كانت تراود نفوسهم كذلك فكرة أنهم خير أمة أخرجت للناس . وأن الله متجاوز عما يقع منهم . . بما أنهم المسلمون . .

ولقد شق على المسلمين قول الله لهم :

( ومن يعمل سوء ا يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا ) . .

فقد كانوا يعرفون طبيعة النفس البشرية ؛ ويعرفون أنها لا بد أن تعمل سوءا . مهما صلحت ، ومهما عملت من حسنات .

كانوا يعرفون النفس البشرية - كما هي في حقيقتها - وكانوا من ثم يعرفون أنفسهم . . لم يخدعوا أنفسهم عن حقيقتها ؛ ولم يخفوا عن أنفسهم سيئاتها ؛ ولم يتجاهلوا ما يعتور نفوسهم من ضعف أحيانا ، ولم ينكروا أو يغطوا هذا الضعف الذي يجدونه . ومن ثم ارتجفت نفوسهم ، وهم يواجهون بأن كل سوء يعملونه يجزون به . ارتجفت نفوسهم كالذي يواجه العاقبة فعلا ويلامسها ، وهذه كانت ميزتهم . أن يحسوا الآخرة على هذا النحو ، ويعيشوا فيها فعلا بمشاعرهم كأنهم فيها . لا كأنها آتية لا ريب فيها فحسب ! ومن ثم كانت رجفتهم المزلزلة لهذا الوعيد الأكيد !

قال الإمام أحمد : حدثنا عبدالله بن نمير ، حدثنا إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير ، قال : " أخبرت أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال : " يا رسول الله ، كيف الفلاح بعد هذه الآية ؟ ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، من يعمل سوءا يجز به ) . . فكل سوء عملناه جزينا به . . فقال النبى [ ص ] : " غفر الله لك يا أبا بكر . ألست تمرض ؟ ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ " قال بلى ! قال : " فهو مما تجزون به " . . [ ورواه الحاكم عن طريق سفيان الثورى عن إسماعيل . ]

وروى أبو بكر بن مردويه - بإسناده - إلى ابن عمر ، يحدث عن أبى بكر الصديق . قال : كنت عند النبى [ ص ] فنزلت هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا )فقال رسول الله [ ص ] : " يا أبا بكر ، ألا أقرئك آية نزلت علي ؟ " قال : قلت يا رسول الله فأقرأنيها . . فلا أعلم أني قد وجدت انفصاما في ظهري ، حتى تمطيت لها ! فقال رسول الله [ ص ] : " مالك يأ أبا بكر ؟ " فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! وأينا لم يعمل السوء ، وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه ! فقال رسول الله [ ص ] : " أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فإنكم تجزون بذلك في الدنيا ، حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب . وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة " . [ وكذا رواه الترمذي ] .

وروى ابن أبى حاتم - بإسناده - عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله إنى لأعلم أشد آية في القرآن . فقال : " ما هي يا عائشة ؟ " قلت : ( من يعمل سوءا يجز به )فقال . " ما يصيب العبد المؤمن ، حتى النكبة ينكبها " . [ ورواه ابن جرير ] .

وروى مسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة - بإسناده - عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : لما نزلت : ( من يعمل سوءا يجز به )شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله [ ص ] : " سددوا وقاربوا فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة . حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها " . .

على أية حال لقد كانت هذه حلقة في إنشاء التصور الإيماني الصحيح عن العمل والجزاء . ذات أهمية كبرى في استقامة التصور من ناحية ، واستقامة الواقع العملي من ناحية أخرى . ولقد هزت هذه الآية كيانهم ، ورجفت لها نفوسهم ، لأنهم كانوا يأخذون الأمر جدا . ويعرفون صدق وعد الله حقا . ويعيشون هذا الوعد ويعيشون الآخرة وهم بعد في الدنيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

اسم { ليس } مضمر{[4293]} ، و «الأماني » : جمع أمنوية ، وزنها أفعولة ، وهي : ما يتمناه المرء ويطيع نفسه فيه ، وتجمع على أفاعيل ، فتجتمع ياءان فلذلك تدغم إحداهما في الأخرى فتجيء مشددة وهي قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج ، «ليس بأمانيكم » ساكنة الياء ، وكذلك في الثانية{[4294]} ، قال الفراء : هذا جمع على فعاليل ، كما يقال قراقير وقراقر إلى غير ذلك . واختلف الناس فيمن المخاطب بهذه الآية ؟ فقال ابن عباس والضحاك وأبو صالح ومسروق وقتادة والسدي وغيرهم : الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : وسبب الآية أن المؤمنين اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : ديننا أقدم من دينكم وأفضل ، ونبينا قبل نبيكم ، فنحن أفضل منكم ، وقال المؤمنون : كتابنا يقضي على الكتب ، ونبينا خاتم النبيين ، أو نحو هذا من المحاورة ، فنزلت الآية ، وقال مجاهد وابن زيد : بل الخطاب لكفار قريش ، وذلك أنهم قالوا : لن نبعث ولا نعذب ، وإنما هي حياتنا الدنيا لنا فيها النعيم ثم لا عذاب ، وقالت اليهود { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ، إلى نحو هذا من الأقوال ، كقولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى }{[4295]} ، وغيره ، فرد الله تعالى على الفريقين بقوله { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } ثم ابتدأ الخبر الصادق من قبله بقوله { من يعمل سوءاً يجز به } وجاء هذا اللفظ عاماً في كل سوء فاندرج تحت عمومه الفريقان المذكوران ، واختلف المتأولون في تعميم لفظ هذا الخبر ، فقال الحسن بن أبي الحسن : هذه الآية في الكافر ، وقرأ { وهل يجازى إلا الكفور }{[4296]} قال : والآية يعني بها الكفار ، ولا يعني بها أهل الصلاة ، وقال : والله ما جازى الله أحداً بالخير والشر إلا عذبه ، ولكنه يغفر ذنوب المؤمنين ، وقال ابن زيد : في قوله تعالى { من يعمل سوءاً يجز به } وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم ، ولم يعد أولئك يعني المشركين ، وقال الضحاكَ { ومن يعمل سوءاً يجز به } يعني بذلك اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق : فهذا تخصيص للفظ الآية ، ورأى هؤلاء أن الكافر يجزى على كل سوء يعمله وأن المؤمن قد وعده الله تكفير سيئاته ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : قوله تعالى : { من يعمل سوءاً } معناه ، من يك مشركاً والسوء هنا الشرك فهو تخصيص لعموم اللفظ من جهة أخرى ، لأن أولئك خصصوا لفظ { من } ، وهذان خصصا لفظ ( السوء ) وقال جمهور الناس : لفظ الآية عام ، والكافر والمؤمن مجازى بالسوء يعمله ، فأما مجازاة الكافر فالنار ، لأن كفره أوبقه ، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لما نزلت { من يعمل سوءاً يجز به } قلت يا رسول الله ما أشد هذه الآية ، فقال : يا أبا بكر أما تحزن أما تمرض أما تصيبك اللأواء ؟ فهذا بذلك{[4297]} ، وقال عطاء بن أبي رباح : لما نزلت هذه الآية ، قال أبو بكر : جاءت قاصمة الظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما هي المصيبات في الدنيا ){[4298]} ، وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي الله عنها{[4299]} ، وقال أبيّ بن كعب ، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها ، فقال له أبيّ : ما كنت أظنك إلا أفقه مما رأى ، ما يصيب الرجل خدش ولا غيره إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر .

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : فالعقيدة في هذا : أن الكافر مجازى والمؤمن يجازى في الدنيا غالباً ، فمن بقي له سوء إلى الآخرة فهو في المشيئة ، يغفر الله لمن يشاء ، ويجازي من يشاء ، وقرأ الجمهور «ولا يجدْ » بالحزم عطفاً على { يجز } ، وروى ابن بكار عن ابن عامر : «ولا يجدُ » بالرفع على القطع ، وقوله { من دون } لفظة تقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة ، ويفسرها بعض المفسرين بغير ، وهو تفسير لا يطرد .


[4293]:- على معنى: ليس الثواب على الحسنات، ولا العقاب على السيئات بأمانيكم، لأن الاستحقاق إنما يكون بالعمل لا بالأماني. قاله في"البحر المحيط".
[4294]:- يعني بها قوله تعالى: {ولا أماني أهل الكتاب}.
[4295]:- من الآية (111) من سورة (البقرة).
[4296]:- من قوله تعالى في الآية (17) من سورة (سبأ): {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}؟
[4297]:- أخرج أحمد، وهناد، وعبد بن حميد، والحكيم، والترمذي، وابن جرير، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن حبان، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء في المختارة، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءا يجز به}؟ فكل سوء جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (غفر الله لك يا أبا بكر. ألست تنصب؟ ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟) قال: بلى، قال: (فهو ما تجزون به)- (الدر المنثور 2/ 226). واللأواء: الشدة والمحنة.
[4298]:- أخرجه ابن جرير عن عطاء بن رباح.
[4299]:- أخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو يعلى، وابن جرير، والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا تلا هذه الآية: {من يعمل سوءا يجز به} فقال: إنا لنجزى بكل ما عملناه؟ هلكنا إذا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (نعم. يُجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه). (الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

الأظهر أنّ قوله : { ليس بأمانيكم } استئناف ابتدائي للتنويه بفضائل الأعمال ، والتشويه بمساويها ، وأنّ في ( ليس ) ضميراً عائداً على الجزاء المفهوم من قوله : { يجز به } ، أي ليس الجزاء تابعاً لأماني الناس ومشتهاهم ، بل هو أمر مقدّر من الله تعالى تقديراً بحسب الأعمال ، وممّا يؤيّد أن يكون قوله : { ليس بأمانيكم } استئنافاً ابتدائياً أنّه وقع بعد تذييل مُشعر بالنهاية وهو قوله : { ومن أصْدق من الله قيلاً } [ النساء : 122 ] . ومِمّا يرجّحه أنّ في ذلك الاعتبار إبهاماً في الضمير ، ثم بياناً له بالحملة بعده ، وهي : { من يعمل سوءاً يجز به } ؛ وأنّ فيه تقديم جملة { ليس بأمانيكم } عن موقعها الذي يُترقّب في آخر الكلام ، فكان تقديمها إظهاراً للاهتمام بها ، وتهيئةً لإبهام الضمير . وهذه كلّها خصائص من طرق الإعجاز في النظم . وجملة { من يعمل سوءاً يجز به } استئناف بياني ناشىء عن جملة { ليس بأمانيكم } لأنّ السامع يتساءل عن بيان هذا النفي المجمل . ولهذا الاستئناف موقع من البلاغة وخصوصية تفوت بغير هذا النظم الذي فسّرناه . وجعل صاحب « الكشاف » الضمير المستتر عائداً على وعد الله ، أي ليس وعدّ الله بأمانيّكم ؛ فتكون الجملة من تكملة الكلام السابق حالاً من { وعْدَ الله } [ النساء : 122 ] ، وتكون جملة { من يعمل سوءاً يجز به } استئنافاً ابتدائياً محضاً .

روي الواحدي في أسباب النزول بسنده إلى أبي صالح ، وروى ابن جرير بسنده إلى مسروق ، وقتادةَ ، والسدّي ، والضحاك ، وبعضُ الروايات يزيد على بعض ، أنّ سبب نزولها : أنّه وقع تحاجّ بين المسلمين وأهل الكتاب : اليهود والنصارى ، كلّ فريق يقول للآخرين : نحن خير منكم ، ويحتجّ لذلك ويقول : لن يدخل الجنة إلاّ من كان على ديننا . فأنزل الله { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } الآيات مبين أن كلّ من اتّبع هدى الله فهو من أهل الجنة وكلّ من ضلّ وخالف أمر الله فهو مجازى بسوء عمله ، فالذين آمنوا من اليهود قبل بعثة عيسى وعملوا الصالحات هم من أهل الجنة وإن لم يكونوا على دين عيسى ، فبطل قول النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا والذين آمنوا بموسى وعيسى قبل بعثه محمد صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات يدخلون الجنّة ، فبطل قول المسلمين واليهود : لن يدخل الجنّة إلاّ من كان على ديننا فكانت هذه الآية حكماً فصلاً بين الفرق ، وتعليماً لهم أن ينظروا في توفّر حقيقة الإيمان الصحيح ، وتوفّر العمل الصالح معه ، ولذلك جمع الله أماني الفرق الثلاث بقوله : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } . ثم إنّ الله لَوّح إلى فلج حجّة المسلمين بإشارة قوله : { وهو مؤمن } فإن كان إيمان اختلّ منه بعض ما جاء به الدين الحقّ ، فهو كالعدم ، فعقّب هذه الآية بقوله : { ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه الله وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً }

[ النساء : 125 ] . والمعنى أنّ الفوز في جانب المسلمين ، لا لأنّ أمانيّهم كذلك ، بل لأنّ أسباب الفوز والنجاة متوفّرة في دينهم . وعن عكرمة : قالت اليهود والنصارى : لن يدخل الجنّة إلاّ من كان منّا . وقال المشركون : لا نُبْعث .

والباء في قوله : { بأمانيكم } للملابسة ، أي ليس الجزاء حاصلاً حصولاً على حسب أمانيّكم ، وليست هي الباء التي تزاد في خبر ليس لأنّ أمانيّ المخاطبين واقعة لا منفية .

والأمانيّ جمع أمنية ، وهي اسم للتمنّي ، أي تقدير غير الواقع واقعاً . والأمنية بوزن أفعولة كالأعجوبة . وقد تقدّم ذلك في تفسير قوله تعالى : { لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ } في سورة البقرة ( 78 ) . وكأنَّ ذكر المسلمين في الأماني لقصد التعميم في تفويض الأمور إلى ما حكم الله ووعد ، وأنّ ما كان خلاف ذلك لا يعتدّ به . وما وافقه هو الحقّ ، والمقصد المهمّ هو قوله : { ولا أمانيّ أهل الكتاب } على نحو : { وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] فإنّ اليهود كانوا في غرور ، يقولون : لن تمسنّا النار إلاّ أيّاماً معدودة . وقد سمّى الله تلك أماني عند ذكره في قوله : { وقالوا لن تمسنّا النار إلاّ أيّاماً معدودة } [ البقرة : 80 ] { تلك أمانيّهم } [ البقرة : 111 ] . أمّا المسلمون فمُحاشون من اعتقاد مثل ذلك .

وقيل : الخطاب لكفار العرب ، أي ليس بأمانيّ المشركين ، إذ جعلوا الأصنام شفعاءهم عند الله ، ولا أمانيّ أهل الكتاب الذين زعموا أنّ أنبياءهم وأسلافهم يغنون عنهم من عذاب الله ، وهو محمل للآية .

وقوله : { ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } زيادة تأكيد ، لردّ عقيدة من يتوهّم أنّ أحداً يغني عن عذاب الله .

والوليّ هو المولى ، أي المشارك في نسب القبيلة ، والمراد به المدافع عن قريبه ، والنصيرُ الذي إذا استنجدته نصرَك ، أو الحليف ، وكان النصر في الجاهلية بأحد هذين النوعين .