قوله تعالى : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } الأمنية أفعولة من التمنية والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها والأمنية هي الصورة الحاصلة في النفس من تمنى الشيء إذا وقع في نفسه وأراده في المخاطب بقوله : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } قولان : أحدهما أنه خطاب للمسلمين وأهل الكتاب اليهود والنصارى وذلك أنهم افتخروا فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم . وقال المسلمون نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب وقد آمنا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا فنحن أولى بالله منكم . والقول الثاني أنه خطاب لمشركي مكة في قولهم لانبعث ولا نحاسب وخطاب لأهل الكتاب في قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة . والمعنى ليس الأمر بالأماني إنما الأمر بالعمل الصالح { من يعمل سوءاً يجز به } قال الضحاك يقول : ليس لكم ما تمنيتم وليس لأهل الكتاب ما تمنوا ولكن من عمل سوءاً يعني شركاً فمات عليه يجز به النار . وقال الحسن هذا في حق الكفار خاصة لأنهم يجازون بالعقاب على الصغير والكبير ولا يجزى المؤمن بسيئ عمله يوم القيامة ولكن يجزى بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله : { ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } وهذا هو الكافر ، فأما المؤمن فله ولي ونصير .
وقال آخرون هذه الآية في حق كل من عمل سوءاً من مسلم ونصراني وكافر . قال ابن عباس هي عامة في حق كل من عمل سوءاً يجز به إلا أن يتوب قبل أن يموت فيتوب الله عليه . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه " لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين مشقة شديدة وقالوا يا رسول الله وأينا من لم يعمل سوءاً غيرك فكيف الجزاء ؟ قال " منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشر حسناته وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده أعشاره . وأما من كان جزاؤه في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتى كل ذي فضل فضله " ويدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي هريرة قال لما نزلت
{ من يعمل سوءاً يجز به } بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها " أخرجه مسلم و " عن أبي بكر الصديق قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : { من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت عليّ قلت بلى يا رسول الله قال فأقرأنيها فلا أعلم إلا أني وجدت انقساماً في ظهري فتمطيت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنك يا أبا بكر ؟ قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأينا لم يعمل سوءاً وإنا لمجزيون بأعمالنا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس عليكم ذنوب . وأما الآخرون فيجتمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة " أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وفي إسناده مقال وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي بكر وليس له إسناد صحيح وقوله : { ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } قال ابن عباس : يريد ولياً يمنعه ولا نصيراً ينصره فإن قلنا إن هذه الآية خاصة في حق الكفار فتأويلها ظاهر وإن قلنا إنها في حق كل عامل سوء من مسلم وكافر فإنه لا ولي لأحد من دون الله يوم القيامة ولا ناصر . فالمؤمنون لا ولي لهم غير الله وشفاعة الشافعين تكون بإذن الله فليس يمنع أحد أحداً عن الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.