إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

{ ليْسَ بأمانيكم وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ الكتاب } أي ليس ما وعد الله تعالى من الثواب يحصُل بأمانيكم إيها المسلمون ولا بأمانيِّ أهلِ الكتابِ وإنما يحصُل بالإيمان والعملِ الصالحِ ، ولعل نظمَ أمانيِّ أهلِ الكتابِ في سلك أمانيِّ المسلمين مع ظهور حالِها للإيذان بعدم إجداءِ أمانيِّ المسلمين أصلاً كما في قوله تعالى : { وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } [ النساء ، الآية 18 ] كما سلف ، وعن الحسن ليس الإيمانُ بالتمنِّي ولكنْ ما وقر في القلب وصدّقه العملُ ، إن قوماً ألهتْهم أمانيُّ المغفرةِ حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنةَ لهم وقالوا : نُحسِنُ الظنَّ بالله وكذَبوا لو أحسنوا الظنَّ به لأحسنوا العملَ . وقيل : ( إن المسلمين وأهلَ الكتاب افتخروا فقال أهلُ الكتاب : نبيُّنا قبل نبيِّكم وكتابُنا قبل كتابِكم فنحن أولى بالله تعالى منكم ، فقال المسلمون : نحنُ أولى منكم نبيُّنا خاتمُ النبيين وكتابُنا يقضي على الكتب المتقدمةِ فنزلت ) . وقيل : ( الخطابُ للمشركين ) ويؤيده تقدّمُ ذكرِهم أي ليس الأمرُ بأمانيِّ المشركين وهو قولُهم : لا جَنةَ ولا نارَ ، وقولُهم : إن كان الأمرُ كما يزعُم هؤلاء لنكونَنّ خيراً منهم وأحسنَ حالاً ، وقولُهم : لأوتين مالاً وولداً ، ولا أمانيِّ أهلِ الكتاب ، وهو قولُهم : { لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى } [ البقرة ، الآية 111 ] وقولُهم { لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً } [ البقرة ، الآية 80 ] ثم قرر ذلك بقوله تعالى : { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } عاجلاً أو آجلاً ( لما روي أَنَّهُ لما نزلت قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : فمن ينجو مع هذا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما تحزنُ أو تمرَضُ أو يصيبُك البلاء ؟ » قال : بلى يا رسول الله ، قال : «هو ذاك » { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله } أي مجاوزاً لموالاة الله ونُصرتِه { وَلِيّاً } يواليه { وَلاَ نَصِيراً } ينصُره في دفع العذاب عنه .