فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

قرأ أبو جعفر بتخفيف الياء من أماني في الموضعين ، واسم ليس محذوف ، أي : ليس دخول الجنة ، أو الفضل ، أو القرب من الله بأمانيكم ، ولا أمانيّ أهل الكتاب ، كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي ، وقيل : ضمير يعود إلى وعد الله ، وهو بعيد ، ومن أمانيّ أهل الكتاب قولهم : { لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى } [ البقرة : 111 ] وقولهم : { نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] وقولهم : { لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا معْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] .

قوله : { مَن يَعْمَل سُوءا يُجْزَ بِهِ } قيل المراد بالسوء : الشرك ، وظاهر الآية أعمّ من ذلك ، فكلّ من عمل سوءاً : أي سوء كان فهو مجزي به من غيره فرق بين المسلم والكافر . وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد ، وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة ، قال : لما نزلت : { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قاربوا وسدّدوا ، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها ، والشوكة يشاكها » قوله : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ } قرأه الجماعة بالجزم عطفاً على الجزاء . وروى ابن بكار عن ابن عامر { وَلاَ يَجِدْ } بالرفع استئنافاً ، أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله ولياً يواليه ولا نصيراً ينصره .

/خ126