نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

ولما أخبر تعالى عما أعد لهم ولمن أضلهم من العقاب وعما أعد للمؤمنين من الثواب ، وكانوا يمنون أنفسهم الأماني الفارغة من أنه لا تبعة عليهم في التلاعب بالدين ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ويشجعهم على ذلك أهل الكتاب ويدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه ، لا يؤاخذهم بشيء ، ولا يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى أو من شفعوا فيه ، ونحو هذه التكاذيب مما يطمعون به من والاهم{[22787]} بأنهم ينجونه ، وكان المشركون يقولون :{ نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين{[22788]} }[ سبأ : 35 ] ، ونحو ذلك - كما قال {[22789]}العاصي بن{[22790]} وائل لخباب بن الأرت وقد تقاضاه ديناً كان له عليه : دعني إلى تلك الدار فأقضيك مما لي فيها ، فوالله لا تكون أنت وصاحبك فيها آثر{[22791]} عند الله مني ولا أعظم حظاً ، فأنزل الله في ذلك :{ أفرأيت الذي كفر بآياتنا{[22792]} }[ مريم : 77 ] الآيات من آخر مريم ، ويقول لهم أهل الكتاب : أنتم أهدى سبيلاً ، لما كان ذلك قال تعالى راداً على الفريقين : { ليس } أي{[22793]} ما وعده{[22794]} الله وأوعده { بأمانيكم } أي أيها العرب { ولا أماني أهل الكتاب } أي التي يمنيكم جميعاً بها{[22795]} الشيطان .

ولما كانت أمانيهم أنهم لا يجازون{[22796]} بأعمالهم الخبيثة ، أنتج ذلك لا محالة قوله{[22797]} : { ومن يعمل سوءاً يجز به } أي بالمصائب{[22798]} من الأمراض وغيرها ، عاجلاً إن أريد به الخير ، وآجلاًَ إن أريد به الشر ، وما أحسن إيلاؤها لتمنيه الشيطان المذكورة في قوله

{ يعدهم ويمنيهم }[ النساء : 120 ] فيكون الكلام وافياً بكشف عوار شياطين الجن ثم الإنس في غرورهم لمن خف معهم مؤيساً{[22799]} لمن قبل منهم ، وما أبدع ختامها بقوله : { ولا يجد له } ولما كان كل أحد قاصراً عن مولاه ، عبر بقوله : { من دون الله } أي الذي حاز{[22800]} جميع العظمة { ولياً } أي قريباً يفعل معه ما يفعل القريب { ولا نصيراً * } أي ينصره في وقت ما ! وما أشد التئامها بختام أول الآيات المحذرة منهم

{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة }[ النساء : 44 ] إلى قوله{ وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً }[ النساء : 45 ] إشارة إلى أن مقصود المنافقين من مشايعة{[22801]} أهل الكتاب ومتابعتهم إنما هو الولاية والنصرة ، وأنهم قد ضيعوا منيتهم فاستنصروا بمن لا نصرة له ، وتركوا من ليست النصرة إلا له .


[22787]:من ظ ومد، وفي الأصل: ولاهم.
[22788]:سورة 34 آية 35.
[22789]:من روح المعاني 5/204، وفي الأصل ومد: القاضي، وفي ظ: القاصرون ـ كذا.
[22790]:من روح المعاني 5/204، وفي الأصل ومد: القاضي، وفي ظ: القاصرون ـ كذا.
[22791]:من ظ ومد، وفي الأصل: آمن.
[22792]:سورة 19 آية 77.
[22793]:زيد من ظ ومد.
[22794]:من مد، وفي الأصل وظ: وعد.
[22795]:زيد من ظ ومد.
[22796]:في ظ: لا يجاوزون.
[22797]:سقط من ظ.
[22798]:في ظ: من المصائب.
[22799]:من مد، وفي الأصل وظ: مونسا.
[22800]:سقط من ظ.
[22801]:في ظ: مسايعة ـ كذا.