بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

قوله تعالى : { لَّيْسَ بأمانيكم وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ الكتاب } وذلك أن أهل الكتاب قالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى . وقال المؤمنون : إنا أسلمنا لا تضرنا الذنوب فنزل : { لَّيْسَ بأمانيكم وَلا أَمَانِيّ أَهْلِ الكتاب } يقول : ليس لكم يا معشر المسلمين ما تمنيتم ، ولا أهل الكتاب ما تمنوا { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي من يعمل معصية دون الشرك يعاقب به . وقال الزجاج : معناه ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب وهو قوله : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحاً ، ليس كما تمنيتم و { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي لا ينفعه تمنيه .

ويقال : لما نزلت هذه الآية { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين . وقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف الفلاح بعد هذه الآية يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : « أَلَسْتَ تَمْرَضُ ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللأواءُ ؟ أي الشدة فذَلِكَ كُلُّهُ جَزَاؤُهُ » حدّثنا الخليل بن أحمد ، قال : حدّثنا العباسي ، قال : حدّثنا الحسن بن صباح ، قال : حدّثنا عبد الوهاب الخفاف ، عن زياد ، عن علي بن زيد ، عن مجاهد قال : مرّ ابن عمر على ابن الزبير وهو مصلوب ، فنظر إليه فقال : يغفر الله لك ثلاثاً ، والله ما علمتك إلا كنت صواماً قواماً وصّالاً للرحم ، أما والله إني لأرجو مع مساوىء ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها أبداً ، ثم التفت فقال : سمعت أبا بكر الصديق يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا » وروى محمد بن قيس ، عن أبي هريرة قال : لما نزلت { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَكُلُّ مَا يُصِيبُ المُؤْمِنَ كَفَّارَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةُ تُشَاكُهُ والنَّكْبَةُ تَنْكُبُهُ » وقال الضحاك : السوء الكفر .

وقال مجاهد : قالت قريش : لن نبعث ولن نعذب ، فنزلت : { لَّيْسَ بأمانيكم } أي أماني كفار قريش ولا أماني أهل الكتاب { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } أي يعاقب عليه .

ثم قال تعالى : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيّاً } يعني الكافر لا يجد لنفسه { مِن دُونِ الله } أي من عذاب الله { وليا } يمنعه { وَلاَ نَصِيراً } ينفعه ويمنعه من العذاب .