الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (123)

{ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } .

قال قتادة والضحاك : إن المسلمين وأهل الكتاب تناظروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابكم ، ونحن أولى بالله منكم ، فقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين ، وكتابنا ( يفي ) على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله تعالى { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } الآية .

وقال مجاهد : قالت قريش : لا نبعث ولانحاسب .

وقال أهل الكتاب

{ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] فأنزل الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } .

وإسم ليس مضمر المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } لا ينفعه يمينه { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } .

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : " لمّا نزلت هذه الآية شقّت على المسلمين مشقّة شديدة ، وقالوا : يا رسول الله وأيّنا لم يعمل سوءاً غيرك وكيف الجزاء ؟ فقال : " منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ، ومن يجازي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلب إحداه عشراه .

وأما ما كان جزاءه في الآخرة فإنه يؤخر إلى يوم القيامة فيقابل بين حسناته وسيئاته ، وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة ، فيعطى كل ذي عمل فضله " .

وروى إسماعيل عن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهير عن أبي بكر الصديق قال : " يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أية آية ؟ " فقال يقول الله { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال : ما عَلِمنا جزينا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " قد هلك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تغبْ ألست يصبك القرف " قال : بلى ، قال : " فهو ما يجزون به " .

وعن عبد الله بن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق( رضي الله عنه ) قال : " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية في سورة النساء { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَ لاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا بكر ألا اقرئك آية نزلت عليَّ ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ، قال : " فاقرأنيها فلا أعلم أني وجدت انفصاماً في ظهري حتى تمطّيت لها " فقال : " مالك يا أبا بكر " .

فقلت : بأبي أنت وأمّي ، وأينا لم يعمل سوءاً وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما أنت يا أبابكر وأصحابك المؤمنون فتُجزون ذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب " .

وأما الآخرون فتجمع ذنوبهم حتى يجزوا يوم القيامة . وقال عطاء : " لما نزلت { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } . [ قال أبو بكر : يا رسول الله ما أشدّ هذه الآية قال : " يا أبا بكر إنّك تمرض ، وإنّك تحزن ، وإنك يصيبك أذى ، فذاك بذاك " ، وقال عطاء ] :

قال أبو بكر : " جاءت قاصمة الظهر يا رسول الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنّما هي المصيبات في الدنيا " .

وروى عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قلت : إني لأعلم أي آية من كتاب الله نزلت ببعض من يعمل سوءاً يجز به . قال : إن المؤمن يجازى بأسوء عمله في الدنيا ثم ذكر أشياء منه المرض والنصب وكان آخرون يذكر نصبه إليك كله كل يجازي بعمله ، يا عائشة ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا يعذب قالت : فقلت : أليس يقول الله تعالى

{ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } [ الانشقاق : 8 ] قال : ما ذلك [ العرض ] إنه من نوقش في العذاب عذِب فقال بيده : على المصيبة كان ينكث .

وروى ابن ميثم بن يزيد عن عبد الله بن الأرقم قال عن أبي هريرة يقول : " لما نزلت { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ } بكينا وحزنّا وقلنا : يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء ، قال : " أما المذنب فمن يده إنها لكم انزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا إلاّ أنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة في الدنيا إلاّ كفَّر الله به خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه " .

وقال الحسن : في قوله تعالى { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال : هو الكافر ، لايجزي الله المؤمن يوم القيامة ، ولكن المؤمن يجزى بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته . ثم قرأ

{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ } [ الزمر : 35 ] الآية ، وقرأ أيضاً ،

{ وَهَلْ نُجَزِي إِلاَّ الْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] .

قال الثعلبي : وقلت : لولا السيئة لأُتيَ [ الجزاء ] في الكفار . لقوله في سياق الآية { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } ومن لم يكن له في القيامة نصير ولا ولي كان كافراً فإن الله عز وجل قد ضمن بنصرة المؤمنين في الدارين بقوله

{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر : 51 ] الآية . !

ولكن الخطاب متى ورد مجملاً وبيّن الرسول [ ذلك على ] لسانه إذ البيان إليه قال الله تعالى { مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } وأنزل إليهم ثم بين الله تعالى فضل المؤمنين على مخالفيهم فقال { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } الآية يعني تكون في ظهر النواة .