معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } . قال ابن عباس رضي الله عنهما : خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة ، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة ، فتحروا القبلة وصلوا ، فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا ، فلما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية . وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما توجهت به راحلته .

أخبرنا محمد بن محمد السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم ابن عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك . عن عبد الله بن دينار . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيث ما توجهت به " .

وقال عكرمة : نزلت في تحويل القبلة ، قال أبو العالية : لما صرفت القبلة إلى الكعبة ، عيرت اليهود المؤمنين وقالوا : ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة هكذا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال مجاهد والحسن : لما نزلت { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } قالوا : أين ندعوه فأنزل الله عز وجل :{ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } يعني أينما تحولوا وجوهكم فثم أي : هناك وجه الله ، قال الكلبي فثم الله يعلم ويرى " والوجه " صلة كقوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } أي إلا هو ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان : فثم قبلة الله ، والوجه والوجهة والجهة القبلة ، وقيل : رضا الله تعالى .

قوله تعالى : { إن الله واسع } . أي غني يعطي في السعة ، قال الفراء : الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء ، قال الكلبي : واسع المغفرة .

قوله تعالى : { عليم } . بنياتهم حيث ما صلوا ودعوا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

أي : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } خصهما بالذكر ، لأنهما محل الآيات العظيمة ، فهما مطالع الأنوار ومغاربها ، فإذا كان مالكا لها ، كان مالكا لكل الجهات .

{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا } وجوهكم من الجهات ، إذا كان توليكم إياها بأمره ، إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس ، أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها ، فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة ، فيتحرى الصلاة إليها ، ثم يتبين له الخطأ ، أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك ، فهذه الأمور ، إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا .

وبكل حال ، فما استقبل جهة من الجهات ، خارجة عن ملك ربه .

{ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } فيه إثبات الوجه لله تعالى ، على الوجه اللائق به تعالى ، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه ، وهو - تعالى - واسع الفضل والصفات عظيمها ، عليم بسرائركم ونياتكم .

فمن سعته وعلمه ، وسع لكم الأمر ، وقبل منكم المأمور ، فله الحمد والشكر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

ثم أخذ القرآن في تسلية المسلمين الذين أخرجوا من مكة وفارقوا المسجد الحرام ، مبيناً لهم أن الجهات كلها لله - تعالى - فقال : { وَللَّهِ المشرق والمغرب . . . }

المشرق والمغرب : مكان شروق الشمس وغروبها ، والمراد بهما هنا جمع جهات الأرض .

واللام في قوله : { وَللَّهِ } تفيد معنى الملك .

والتولية : التوجه من جهة إلى أخرى . و ( ثم ) اسم إشارة للمكان .

والوجه : الجهة ، فوجه الله الجهة التي ارتضاها وأمر بالتوجه إليها وهي القبلة .

والمعنى : أن جميع الأرض ملك لله وحده ، ففي أي مكان من المشرق والمغرب توليتم شطر القبلة التي أمركم الله بها ورضيها لكم ، فهناك جهته - سبحانه - التي أمرتم بها ، والتي تبرأ ذممكم باستقبالها .

ومعنى هذا : الإذن بإقامة الصلاة في أي مكان من الأرض دون أن تختص بها المساجد ، ففي الحديث الشريف : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " .

وكأن الآية تومى ، إلى أن سعى أولئك الظالمين في منع المساجد من ذكره - تعالى - وتخريبها ، لا يمنع من أداء العبادة لله - تعالى - : لأن له المشرق والمغرب وما بينهما ، فأينما حل الإِنسان وتحرى القبلة المأمور بالتوجه إليها فهناك جهة الله المطلوب منه استقبالها .

وذيلت الآية بقوله { إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } لإِفادة سعة ملكه أو سعة تيسيره على عباده في أمر الدين : أي : إن الله يسع خلقه جميعاً برحمته وتيسيره وجوده وهو عليم بأعمالهم لا يخفى عليه عمل عامل أنيما كان وكيفما كان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

104

والذي يجعلنا نرجح أن الآيتين نزلتا في مناسبة تحويل القبلة ، هو الآية الثانية منهما :

( ولله المشرق والمغرب ، فأينما تولوا فثم وجه الله ، إن الله واسع عليم ) .

فهي توحي بأنها جاءت ردا على تضليل اليهود في ادعائهم إن صلاة المسلمين إذن إلى بيت المقدس كانت باطلة ، وضائعة ولا حساب لها عند الله ! والآية ترد عليهم هذا الزعم ، وهي تقرر أن كل اتجاه قبلة ، فثم وجه الله حيثما توجه إليه عابد . وإنما تخصيص قبلة معينة هو توجيه من عند الله فيه طاعة ، لا أن وجه الله - سبحانه - في جهة دون جهة . والله لا يضيق على عباده ، ولا ينقصهم ثوابهم ، وهو عليم بقلوبهم ونياتهم ودوافع اتجاهاتهم . وفي الأمر سعة . والنية لله ( إن الله واسع عليم ) . . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

{ ولله المشرق والمغرب } يريد بهما ناحيتي الأرض ، أي له الأرض كلها لا يختص به مكان دون مكان ، فإن منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام ، أو الأقصى فقد جعلت لكم الأرض مسجدا . { فأينما تولوا } ففي أي مكان فعلتم التولية شطر القبلة { فثم وجه الله } أي جهته التي أمر بها ، فإن إمكان التولية لا يختص بمسجد أو مكان . أو { فثم } ذاته : أي هو عالم مطلع بما يفعل فيه { إن الله واسع } بإحاطته بالأشياء . أو برحمته يريد التوسعة على عباده ، { عليم } بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن كلها وعن ابن عمر رضي الله عنهما وأنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة : وقيل في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا إلى أنحاء مختلفة ، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم ، وعلى هذا لو أخطأ المجتهد ثم تبين له الخطأ لم يلزمه التدارك . وقيل ؛ هي توطئة لنسخ القبلة وتنزيه للمعبود أن يكون في حيز وجهة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

لما جاء بوعيدهم ووعد المؤمنين عطف على ذلك تسلية المؤمنين على خروجهم من مكة ونكاية المشركين بفسخ ابتهاجهم بخروج المؤمنين منها وانفرادهم هم بمزية جوار الكعبة فبين أن الأرض كلها لله تعالى وأنها ما تفاضلت جهاتها إلا بكونها مظنة للتقرب إليه تعالى وتذكر نعمه وآياته العظيمة فإذا كانت وجهة الإنسان نحو مرضاة الله تعالى فأينما تولى فقد صادف رضى الله تعالى كانت وجهته الكفر والغرور والظلم فما يغني عنه العياذ بالمواضع المقدسة بل هو فيها دخيل لا يلبث أن يقلع منها قال تعالى : { وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون } [ الأنفال : 34 ] وقال صلى الله عليه وسلم في بني إسرائيل : " نحن أحق بموسى منهم " .

فالمراد من { المشرق والمغرب } في الآية تعميم جهات الأرض لأنها تنقسم بالنسبة إلى مسير الشمس قسمين قسم يبتدىء من حيث تطلع الشمس وقسم ينتهي في حيث تغرب وهو تقسيم اعتباري كان مشهوراً عند المتقدمين لأنه المبني على المشاهدة مناسب لجميع الناس والتقسيم الذاتي للأرض هو تقسيمها إلى شمالي وجنوبي لأنه تقسيم ينبني على اختلاف آثار الحركة الأرضية .

وقد قيل إن هذه الآية إذن للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتوجه في الصلاة إلى أية جهة شاء ، ولعل مراد هذا القائل أن الآية تشير إلى تلك المشروعية لأن الظاهر أن الآية نزلت قبيل نسخ استقبال بيت المقدس إذ الشأن توالى نزول الآيات وآية نسخ القبلة قريبة الموقع من هذه ، والوجه أن يكُونَ مقصد الآية عاماً كما هو الشأن فتشمل الهجرة من مكة والانصراف عن استقبال الكعبة .

وتقديم الظرف للاختصاص أي إن الأرض لله تعالى فقط لا لهم ، فليس لهم حق في منع شيء منها عن عباد الله المخلصين .

و { وجه الله } بمعنى الذات وهو حقيقة لغوية تقول : لوجه زيد أي ذاته كما تقدم عند قوله : { من أسلم وجهه لله } [ البقرة : 112 ] وهو هنا كناية عن عمله فحيث أمرهم باستقبال بيت المقدس فرضاه منوط بالامتثال لذلك ، وهو أيضاً كناية رمزية عن رضاه بهجرة المؤمنين في سبيل الدين لبلاد الحبشة ثم للمدينة ويؤيد كون الوجه بهذا المعنى قوله في التذييل : { إن الله واسع عليم } فقوله : { واسع } تذييل لمدلول { ولله المشرق والمغرب } والمراد سعة ملكه أو سعة تيسيره والمقصود عظمة الله ، أنه لا جهة له وإنما الجهات التي يقصد منها رضى الله تفضل غيرها وهو عليم بمن يتوجه لقصد مرضاته ، وقد فسرت هذه الآية بأنها المراد بها القبلة في الصلاة .