الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

{ فأَيْنَمَا }[ البقرة :115 ] شرط ، و { تُوَلُّواْ } جزمٌ به ، و { ثَمَّ } : جوابه ، و{ وَجْهُ الله } : معناه : الذي وجَّهنا إِلَيْه كما تقولُ : سافَرْتُ في وجه كذا ، أي : في جهة كذا ، ويتجه في بعض المواضِعِ من القرآن كهذه الآية أن يراد بالوجْهِ الجِهَةُ الَّتي فيها رضَاهُ ، وعلَيْها ثوابُه ، كما تقول تصدَّقت لوجْهِ اللَّهِ ، ويتَّجه في هذه الآية خاصَّة أن يراد بالوجه الجهةُ الَّتي وجهنا إليها في القبلة ، واختلف في سبب نزولِ هذه الآيةِ ، فقال ابنُ عُمَر : نزلَتْ هذه الآية في صلاة النافلةِ في السفَرِ حيث توجَّهت بالإِنسان دابَّته ، وقال النَّخَعِيُّ : الآية عامَّة ، أينما تولوا في متصرَّفاتكم ، ومساعِيكُمْ ، فثَمَّ وجْه اللَّه ، أي : موضع رضاه وثوابه ، وجهه رحمته الَّتي يوصِّل إِليها بالطاعة ، وقال عبد اللَّه بن عامِرِ بنِ ربيعَةَ : نَزَلَتْ فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ ، ووَرَدَ في ذلكَ حديثٌ رواه عامرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، قال : " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، فتحرى قَوْمٌ الْقِبْلَةَ ، وأَعْلَمُوا عَلاَمَاتً ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ، رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أَخْطَأوَا ، فَعَرَّفُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ ، فَنَزلَت هَذِهِ الآية " .

وقيلَ : نزلت الآية حين صُدَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن البَيْتِ .

و{ واسع } : معناه مُتَّسِعُ الرحمة ، { عَلِيمٌ } أين يضعها ، وقيل : { واسع } معناه هنا أنه يوسِّع على عباده في الحُكْم ، دينُهُ يُسْرٌ ، { عَلِيمٌ } بالنيَّات التي هي ملاكُ العمل .