تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

فضل الله

( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ( 115 ) (

المفردات :

المشرق : موضع الشروق .

المغرب : موضع الغروب ، والمراد بهما هنا : هما وما بينهما من الجهات والأماكن .

فثم وجه الله : أي فهناك جهته ، أي قبلته التي أمر عباده أن يتجهوا إليها فالوجه والجهة شيء واحد .

إن الله واسع عليم : أي يوسع على عباده ، أو لا يحصر ولا يتحدد ، أو واسع العلم محيط بما تستطيعون علمه فلا يكلفكم ما يشق عليكم .

التفسير :

وردت عدة روايات في معنى هذه الآيات وأسباب نزولها ، ومن هذه الروايات ما يأتي :

1- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه ، فلما قدم المدينة توجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة بعد ذلك .

115- ولهذا يقول تعالى : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله . روى أبو عبيدة القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس قال : أول ما نسخ من القرآن ، فيما ذكر لنا والله أعلم ، شأن القبلة ، قال الله تعالى : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله . فاتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى بيته العتيق ونسخها فقال :

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره( 285 ) .

2- وقال ابن عمر وآخرون : نزلت هذه الآية إذنا من الله أن يصلي المتطوع حيثما توجهت به راحلته من شرق أو غرب ، وفي حال المسايفة وشدة الخوف .

أخرج مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيث كان وجهه وفيه نزلت : فأينما تولوا فثم وجه الله( 286 ) . نقله القرطبي ، ونقله أيضا ابن كثير عن ابن جرير الطبري .

3- وقال آخرون : بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض الله التوجه إلى الكعبة ، وإنما أنزلها تعالى ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب ، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان علم الله جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية لأن له تعالى المشارق والمغارب كما قال تعالى : ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا . ( المجادلة : 7 ) .

قالوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم التوجه على المسجد الحرام( 287 ) .

4- وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها فصلوا على أنحاء مختلفة ، فقال الله تعالى لي المشارق والمغارب ، فأين وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم ، فعليكم بذلك إن صلاتكم ماضية .

روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة » قال الترمذي : حسن صحيح( 288 ) .

وقال : وقد روى من غير واحد من الصحابة ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) منهم عمر ابن الخطاب وعلي وابن عباس .

5- قال ابن جرير : ويحتمل : فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي فهناك وجهي أستجيب لكم دعاءكم ، ثم روى عن مجاهد قال : لما نزلت ادعوني أستجب لكم ، قالوا : إلى أين ؟ فنزلت : فأينما تولوا فثم وجه الله .

وإذا ربطنا الآية بما سبقها من أن الظالمين قد يمنعون المصلين من الصلاة في مساجد الله ، رأينا أن المقصود من الآية الإذن بإقامة الصلاة في أي مكان في الأرض دون أن تختص بها المساجد ففي الحديث الشريف «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا فأيما رجلا من أمتي أدركته الصلاة فليصل » ( 289 ) .

وكان السابقون لا يصلون إلا في بيعهم أو كنائسهم وكأن الآية تومئ إلى أن سعى أولئك الظالمين في منع المساجد من أداء رسالتها وتخريبها لا يمنع من أداء العبادة ، لأن لله المشرق والمغرب وما بينهما فأينما حل الإنسان واتجه بعبادة إلى الله فهي مقبولة ، والله تعالى راض عنه مقبل عليه . إن الله واسع . يوسع على عباده في دينهم ولا يكلفهم بما ليس في وسعهم . عليم بمصالحهم وبما يعملون في مختلف أماكنهم .