قوله تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام } وسعه لقبول الحق . { فهو على نور من ربه } كمن أقسى الله قلبه .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة ، حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن يزيد الموصلي ببغداد ، أنبأنا أبو فروة ، واسمه يزيد بن محمد ، حدثني أبي ، عن أبيه ، حدثنا زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } قلنا : يا رسول الله كيف انشراح صدره ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح ، قلنا : يا رسول الله وما علامة ذلك ؟ قال :الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والتأهب للموت قبل نزول الموت " . قوله عز وجل :{ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } قال مالك ين دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله عز وجل على قوم إلا نزع منهم الرحمة .
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي : أفيستوي من شرح اللّه صدره للإسلام ، فاتسع لتلقي أحكام اللّه والعمل بها ، منشرحا قرير العين ، على بصيرة من أمره ، وهو المراد بقوله : { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } كمن ليس كذلك ، بدليل قوله : { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } أي : لا تلين لكتابه ، ولا تتذكر آياته ، ولا تطمئن بذكره ، بل هي معرضة عن ربها ، ملتفتة إلى غيره ، فهؤلاء لهم الويل الشديد ، والشر الكبير .
{ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وأي ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليه ؟ ومن كل السعادة في الإقبال عليه ، وقسا قلبه عن ذكره ، وأقبل على كل ما يضره ؟ "
نفى - سبحانه - المساواة بين المؤمن والكافر ، وبين المهتدى والضال فقال : { أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ . . } .
أى : أفمن شرح الله - تعالى - صدره للإِسلام ، وجعله مستعدا لقبول الحق فهو بمقتضى هذا الشرح والقبول صار على نور وهداية من ربه ، كمن قسا قلبه وغلظ ، وأصبح أسيرا للظلمات والأوهام . لاشك أنهما لا يستويان فى عقل أى عاقل .
فالاستفهام للإِنكار والنفى ، و " من " اسم موصول مبتدأ ، والخبر محذوف لدلالة قوله - تعالى - { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله } عليه .
أى : فهلاك وخزى لأولئك المشركين الذين قست قلوبهم من أجل ذكر الله - تعالى - ، الذى من شأنه أن تلين له القلوب ، ولكن هؤلاء الكافرين إذا ما ذكر الله - تعالى - ، اشمأزت قلوبهم ، وقست نفوسهم ، لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم .
ومنهم من جعل " من " فى قوله { مِّن ذِكْرِ الله } بمعنى عن . أى : فويل للقاسية قلوبهم عن قبول ذكر الله وطاعته وخشيته .
قال صاحب الكشاف : قوله : { مِّن ذِكْرِ الله } أى : من أجل ذكره ، أى : إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا ، وازدادت قلوبهم قساوة ، كقوله - تعالى - : { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ } وقرئ : عن ذكر الله .
فإن قلت : ما الفرق بين من وعن فى هذا ؟ قلت : إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله ، فالمعنى ما ذكرت ، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه . وإذا قلت : عن ذكر الله ، فالمعنى : غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه . ونظيره : سقاه من العَيْمة . أى : من أجل عطشه . وسقاه عن العيمة ، إذا أرواه حتى أبعده عن العطش .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان مآل هؤلاء الذين قست قلوبهم فقال : { أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة فى ضلال واضح عن الصراط المستقيم . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء كذلك يَجْعَلُ الله الرجس عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ }
( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ? فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله . أولئك في ضلال مبين . الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ؛ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ؛ ومن يضلل الله فما له من هاد ) . .
وكما ينزل الماء من السماء فينبت لهم به زرعاً مختلفاً ألوانه كذلك ينزل من السماء ذكراً تتلقاه القلوب الحية ؛ فتتفتح وتنشرح وتتحرك حركة الحياة ، وتتلقاه القلوب القاسية كما تتلقاه الصخرة القاسية التي لا حياة فيها ولا نداوة !
والله يشرح للإسلام قلوباً يعلم منها الخير ، ويصلها بنوره فتشرق به وتستضيء . والفرق بين هذه القلوب وقلوب أخرى قاسية فرق بعيد . ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) . .
وهذه الآية تصور حقيقة القلوب التي تتلقى الإسلام فتنشرح له وتندى به . وتصور حالها مع الله . حال الانشراح والتفتح والنداوة والبشاشة ، والإشراق والاستنارة . كما تصور حقيقة القلوب الأخرى في قساوتها وغلظتها وموتها وجفافها ، وعتمتها وظلامها . ومن يشرح الله صدره للإسلام ويمد له من نوره ، ليس قطعاً كالقاسية قلوبهم من ذكر الله . وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.