وقوله تعالى : { أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام } الآية ، رُوِيَ أنَّ هذهِ الآيةَ نزلَتْ في عَلِيٍّ وحمزةَ وأبي لَهَبٍ وابنه ؛ وهمَا اللذان كَانا من القَاسِيَةِ قلوبُهُمْ ، وفي الكلامِ محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهِرُ ؛ تقديره : أفمن شَرَحَ اللَّه صدره كالقاسِي القَلْبِ المُعْرِضِ عن أمرِ اللَّه ، وشَرْحُ الصدرِ : استعارةٌ لتحصيلهِ للنظر الجَيِّدِ والإيمانِ باللَّه ، والنُّورُ : هدايةُ اللَّه تعالى ، وهي أشبهُ شَيْءٍ بالوضَّوْءِ ، قال ابن مسعود : ( قلنا يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ انشراح الصَّدْرِ ؟ قال : إذا دَخَلَ النُّورُ القَلْبَ ، انشرح وَانْفَسَحَ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّه ، وَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الإنَابَةُ إلَى دَارِ الخُلُودِ ، والتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ ، والتَّأَهُّبُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ ) ، والقسوةُ : شِدَّةُ القَلْب ، وهي مأخوذةٌ من قَسْوَةِ الحَجَرِ ، شَبَّهَ قَلْبَ الكافرِ بهِ في صَلاَبَتِهِ وقِلَّةِ انفعاله ، للوَعْظِ ، وَرَوَى الترمذيُّ عن ابن عُمَرَ قال : قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وإنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلْبُ القَاسِي " ، قال الترمذيُّ : هذا حديث حسنٌ غريبٌ . انتهى وقال مالكُ بن دِينَارٍ : مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بعقوبةٍ أعْظَمَ من قَسْوَةِ قلبهِ ، قال ابن هِشَامٍ : قوله تعالى : { فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله } . ( من ) هنا : مرادِفَةٌ ( عَنْ ) ، وقيل : هي للتعليلِ ، أي : مِنْ أجْلِ ذكر اللَّه ؛ لأنه إذا ذُكِرَ اللَّه ، قَسَتْ قلوبُهُمْ ؛ عياذاً باللَّه ، وقيل : هي للابتداءِ ، انتهى من «المغني » .
قال الفَخْرُ : اعلم أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ سببٌ لحصولِ النُّورِ والهدايةِ وزيادةِ الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية ، وقد يُوجِبُ القَسْوَةَ والبُعْدَ عنِ الحَقِّ في النفوسِ الخبيثة الشيطانية ، فإذا عَرَفْتَ هذا ، فنقول : إنَّ رأسَ الأدْوِيَةِ التي تفيدُ الصحةَ الروحانيةَ ورُتْبَتَها هو ذِكْرُ اللَّهِ ، فإذا اتفق لبعضِ النفوسِ أنْ صَارَ ذِكْرُ اللَّهِ سبباً لازْدِيادِ مَرَضِها ، كانَ مَرَضُ تلكَ النفوسِ مَرَضاً لا يرجى زوالُهُ ، ولا يُتَوَقَّعُ علاجُهُ ، وكانَتْ في نِهَايَةِ الشَّرِّ والرَّدَاءَةِ ، فلهذا المعنى قال تعالى : { فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله أُوْلَئِكَ فِي ضلال مُّبِينٍ } وهذا كَلاَمُ كَامِلٍ مُحَقِّقٍ ، انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.