معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

قوله تعالى : { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } . وذلك أن أبا سفيان والمشركين لما ارتحلوا يوم أحد متوجهين نحو مكة ، انطلقوا حتى إذا بلغوا بعض الطريق ، ندموا وقالوا : بئسما صنعنا . قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك قذف الله في قلوبهم الرعب ، حتى رجعوا عما هموا به ، فذلك قوله تعالى ( سنلقي ) أي سنقذف في قلوب الذين كفروا الرعب ، الخوف . قرأ أبو جعفر ، وابن عامر والكسائي ويعقوب الرعب بضم العين ، وقرأ الآخرون بسكونها .

قوله تعالى : { بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } . حجة وبرهاناً .

قوله تعالى : { ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين } . مقام الكافرين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد ، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب ، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم ، وقد فعل تعالى .

وذلك أن المشركين -بعدما انصرفوا من وقعة " أحد " - تشاوروا بينهم ، وقالوا : كيف ننصرف ، بعد أن قتلنا منهم من قتلنا ، وهزمناهم ولما نستأصلهم ؟ فهموا بذلك ، فألقى الله الرعب في قلوبهم ، فانصرفوا خائبين ، ولا شك أن هذا من أعظم النصر ، لأنه قد تقدم أن نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين : إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ، وهذا من الثاني .

ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين ، فقال : { بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } أي : ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام ، التي اتخذوها على حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة ، من غير حجة ولا برهان ، وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن ، فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين ، لا يعتمد على ركن وثيق ، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق ، هذا حاله في الدنيا ، وأما في الآخرة فأشد وأعظم ، ولهذا قال : { ومأواهم النار } أي : مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج ، { وبئس مثوى الظالمين } بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

ثم بشرهم- سبحانه- بأنه سيلقى الرعب والفزع فى قلوب أعدائهم فقال- تعالى- : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب بِمَآ أَشْرَكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } .

والرعب : الخوف والفزع ، يقال رعبه يرعبه أى خوفه أصله من الملء يقال : سيل راعب ، إذا ملأ الأودية . ورعبت الحوض : ملأته .

والسلطان : الحجة والبرهان وسميت الحجة سلطانا لقوتها ونفوذها . أصل المادة يدل على الشدة والقوة ومنها السليط الشديد واللسان الطويل .

والمعنى : سنملأ قلوب المشركين خوفا وفزعا بسبب إشراكهم مع الله - تعالى - آلهة لم ينزل الله بها حجة والمراد : أنه لا حجة لهم حتى ينزلها .

قال الآلوسى : قوله { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ } أى بإشراكه أو بعبادته ، و " ما " نكره موصوفة أو موصولة اسمية وليست مصدرية و " سلطانا " أى حجة والإتيان بها للإشارة بأن المتبع فى باب التوحيد هو البرهان السماوى دون الآراء والأهواء الباطلة . . وذكر عدم إنزال الحجة مع استحالة تحققها من باب انتفاء المقيد لانتفاء قيده اللازم ، أى : لا حجة حتى ينزلها ، فهو على حد قوله فى وصف مفازة :

لا تفزع الأرنب أهوالها . . . ولا ترى الضب بها ينجحر

إذ المراد : لا ضب بها حتى ينجحر . فالمراد نفيهما جميعا .

فالآية الكريمة قد بشرت المؤمنين بأن الله - تعالى - سيلقى الرعب والفزع فى قلوب أعدائهم حتى لا يتجاسروا عليهم .

ومن مظاهر الرعب التى ألقاها الله - تعالى - فى قلوب المشركين أنهم بعد أن انتصروا على المسلمين فى غزوة أحد . كان فى قدرتهم أن يوغلوا فى مهاجمتهم وقتالهم إلا أن الرعب صدهم عن ذلك .

ولقد حاولوا وهم فى طريقهم إلى مكة أن يعودوا للقضاء على المسلمين إلا أن الخوف داخل قلوبهم وجعل أحد زعمائهم وهو صفوان بن أمية يقول لهم : " يا أهل مكة لا ترجعوا لقتال القوم ، فإنى أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذى كان " .

قال الفخر الرازى ما ملخصه قوله { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب } اختلفوا فى أن هذا الوعد هل هو مختص بيوم أحد ، أو هو عام فى جميع الأوقات ؟

قال كثير من المفسرين : إنه مختص بهذا اليوم ، وذلك لأن جميع الآيات المتقدمة إنما وردت فى هذه الواقعة .

ثم القائلون بهذا القول ذكروا فى كيفية إلقاء الرعب فى قلوب المشركين فى هذا اليوم وجهين :

الأول : أن الكفار لما استولوا على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب فى قلوبهم ، فتركوهم وفروا منهم من غير سبب .

والثانى : أن الكفار لما ذهبوا إلى مكة فلما كانوا فى بعض الطريق قالوا ما صنعنا شيئاً قتلنا الأكثرين منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون . ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب فى قلوبهم .

والقول الثانى : أن هذا الوعد غير مختص بيوم أحد ، بل هو عام ، كأنه قيل : إنه وإن وقعة لكم هذه الواقعة فى يوم أحد ، إلا أن الله - تعالى - سيلقى الرعب منكم بعد ذلك فى قلوب الكافرين حتى يقهر الكفار ، ويظهر دينكم على سائر الأديان .

وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام قاهرا لجميع الأديان والملل . ونظير هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم " نصرت بالرعب مسيرة شهر " .

ثم ختم - سبحانه - الآية ببيان سوء عاقبة هؤلاء الكافرين فقال : { وَمَأْوَاهُمُ النار وَبِئْسَ مثوى الظالمين } .

والمأوى : اسم مكان من أوى يأوى . وهو المكان الذى يرجع إليه الشخص ويعود إليه .

والمثوى : اسم مكان - أيضا - يقال : ثوى بالمكان وفيه يثوى ثواء وثويا وأثوى به ، أى أطال الإقامة والنزول فيه .

والمعنى : أن هؤلاء الكافرين سيلقى الله - تعالى - الرعب والفزع فى قلوبهم حتى لا يتجاسروا على المؤمنين ، هذا فى الدنيا ، أما فى الآخرة ، فالمكان الذى يأوون إليه ويستقرون فيه هو النار ، لا مأوى لهم غيرها ، وبئس هذه النار موضع إقامة دائمة لهم .

وقد أظهر - سبحانه - الاسم فى موضع الإضمار فلم يقل : وبئس النار مثواهم ، بل قال : { وَبِئْسَ مثوى الظالمين } : للإشارة إلى أن هذا المآل الأليم إنما هو جزاء عادل لهم بسبب ظلمهم إذ هم الذين ظلموا أنفسهم فأضلوها وصدوها عن الحق فكانت نهايتهم تلك النهاية المهينة ، " وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " .

وفى جعل هذه النار مثواهم بعد جعلها مأواهم إشارة إلى خلودهم فيها ، فإن المثوى مكان الإقامة المنبئة عن المكث ، وأما المأوى فهو المكان الذى يأوى إليه الإنسان .

وقدم المأوى على المثوى لأن هذا هو الترتيب الوجودى فى الخارج ، لأن الإنسان يأوى إلى المكان ثم يثوى فيه .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين عن إطاعة الكافرين وبينت لهم النتائج الوخيمة التى تترتب على إطاعتهم ثم دعتهم إلى الاعتصام بدين الله وبشرتهم بسوء عاقبة أعدائهم فى الدنيا والآخرة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُواْ الرّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىَ الظّالِمِينَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : سيلقى الله أيها المؤمنون في قلوب الذين كفروا بربهم ، وجحدوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ممن حاربكم بأُحد الرعب ، وهو الجزع والهلع بما أشركوا بالله ، يعني بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام ، وطاعتهم الشيطان التي لم أجعل لهم بها حجة ، وهي السلطان التي أخبر عزّ وجلّ أنه لم ينزله بكفرهم وشركهم ، وهذا وعد من الله جلّ ثناؤه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر على أعدائهم ، والفلج عليهم ما استقاموا على عهده ، وتمسكوا بطاعته ، ثم أخبرهم ما هو فاعل بأعدائهم بعد مصيرهم إليه ، فقال جلّ ثناؤه : { وَمأْوَاهُمُ النّارُ } يعني : ومرجعهم الذي يرجعون إليه يوم القيامة النار { وَبِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ } يقول : وبئس مقام الظالمين الذين ظلموا أنفسهم باكتسابهم ما أوجب لها عقاب الله النار . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { سَنُلْقِي في قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ بِمَا أشْرَكُوا باللّهِ ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطانا وَمأْوَاهُمُ النّارُ وَبِئْسَ مَثُوَى الظّالِمِينَ } إني سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب الذي به كنت أنصركم عليهم ، بما أشركوا بي ما لم أجعل لهم به حجة ، أي فلا تظنوا أن لهم عاقبة نصر ، ولا ظهور عليكم ما اعتصمتم واتبعتم أمري ، للمصيبة التي أصابتكم منهم بذنوب قدمتموها لأنفسكم ، خالفتم بها أمري ، وعصيتم فيها نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أُحد متوجهين نحو مكة ، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق ، ثم إنهم ندموا فقالوا : بئس ما صنعتم ، إنكم قتلتموهم ، حتى إذا لم يبق إلا الشرّير تركتموهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فقذف الله عزّ وجلّ في قلوبهم الرعب ، فانهزموا ، فلقوا أعرابيا ، فجعلوا له جُعْلاً ، وقالوا له : إن لقيت محمدا فأخبره بما قد جمعنا لهم ! فأخبر الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك ، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وما قذف في قلبه من الرعب ، فقال : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ بِمَا أشْرَكُوا باللّهِ } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

{ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ، ونادى أبو سفيان يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام : " إن شاء الله " . وقيل لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلوهم ، فألقى الله الرعب في قلوبهم . وقرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بالضم على الأصل في كل القرآن{ بما أشركوا بالله } بسبب إشراكهم به { ما لم ينزل به سلطانا } أي آلهة ليس على إشراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطانا وهو كقوله :

ولا ترى الضب بها ينجحر

وأصل السلطنة القوة ومنه السليط لقوة اشتعاله والسلاطة لحدة اللسان . { ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين } أي مثواهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتغليظ والتعليل .