التفسير : إنه تعالى يذكر في هذه الآيات وجوهاً كثيرة في باب الترغيب في الجهاد وعدم المبالاة بالكفار . من جملتها الوعد بإلقاء الرعب في قلوب الكفرة ، ولا شك أن هذا من معاظم أسباب الاستيلاء ، ثم إن هذا الوعد مخصوص بيوم أحد أو هو عام في جميع الأوقات . الأظهر الثاني كأنه قيل : إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد إلا أنا سنلقي الرعب في قلوب الكفار بعد ذلك حتى يظهر هذا الدين على سائر الأديان ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " نصرت بالرعب مسيرة شهر " وذهب كثير من المفسرين إلى أنه مختص بيوم أحد لوروده في مساق تلك القصة . قال السدي : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة ، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق . ثم إنهم ندموا وقالوا بئسما صنعنا . قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم . فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم حتى رجعوا عما هموا به ففي ذلك نزلت الآية . وقيل : إن الكفار لما استولوا على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفروا منهم من غير سبب حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل من الخوف وقال : أين ابن أبي كبشة - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فأجابه عمر وجرى بينهم من الكلمات ما جرى . والرعب الخوف الذي يملأ القلب فزعاً ومنه سيل راعب إذا ملأ الأودية والأنهار . وإلقاء الرعب في قلوبهم لا يقتضي إلقاء جميع أنواعه فيها وإنما يقتضي وقوع هذه الحقيقة فيها من بعض الوجوه . ولكن ظاهر قوله : { في قلوب الذين كفروا } يقتضي وقوع الرعب في قلوب جميع الكفرة وهكذا هو في الواقع لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا وفي قلبه خوف المسلمين وهيبتهم . إما في الحرب وإما في المحاجة . وقيل : إنه مخصوص بأولئك الكفار . { بما أشركوا } أي بسبب إشراكهم بالله . وفيه وجه معقول وهو أن الدعاء إنما يصير في محل الإجابة عند الاضطرار كما قال :{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه }[ النمل :62 ] ومن اعتقد أن لله شريكاً لم يحصل له الاضطرار لأنه يقول : إذا كان هذا المعبود لا ينصرني فذاك الآخر ينصرني فلا يحصل له الإجابة . فيلزمهم الرعب والخوف هذا على تقدير أن معبوديهم يصح منهم الإجابة . كيف وإنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً ؟ { ما لم ينزل به سلطاناً } الهة لم ينزل الله بإشراكها حجة . والتركيب يدل على القدرة والشدة والحدة ومنه يقال للوالي سلطان ، ومنه سلاطة اللسان ، والسليط الزيت كأنه استخراج بالقهر . قال الجوهري : السلطان بمعنى الحجة والبرهان لا يجمع لأن مجراه مجرى المصدر . وليس المراد أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل لأن الشرك لن يقوم عليه حجة ، ولكن المراد نفي الحجة ونزولها جميعاً كقوله :
ولا ترى الضب بها ينجحر *** . . .
قال المتكلمون : التقليد باطل لأن كل ما لا دليل عليه لم يجز إثباته . ومنهم من يبالغ فيقول : ما لا دليل عليه فيجب نفيه . ومنهم من احتج بهذا الحرف على وحدانية الصانع فقال لا سبيل إلى إثبات الصانع إلا باحتياج المحدثات إليه . ويكفي في رفع هذه الحاجة إثبات الصانع الواحد فما زاد لا سبيل إلى إثباته فلم يجز إثباته . أقول : هذا إذا استدللنا بعدم الدليل على وجود الشريك على نفيه ، أما إذا استدللنا بوجود الدليل على نفيه فلا شريك لأجل الدليل ، ولا دليل على الاشتراك لوجود الدليل على نفي الشريك .
ولما ذكر حال الكفرة في الدنيا وهو استيلاء الرعب عليهم أتبعه حالهم في الآخرة فقال : { ومأواهم } أي والمكان الذي يأوون إليه { النار وبئس مثوى الظالمين } مقام المشركين من ثوى بالمكان يثوي إذا أقام به
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.