غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

151

التفسير : إنه تعالى يذكر في هذه الآيات وجوهاً كثيرة في باب الترغيب في الجهاد وعدم المبالاة بالكفار . من جملتها الوعد بإلقاء الرعب في قلوب الكفرة ، ولا شك أن هذا من معاظم أسباب الاستيلاء ، ثم إن هذا الوعد مخصوص بيوم أحد أو هو عام في جميع الأوقات . الأظهر الثاني كأنه قيل : إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد إلا أنا سنلقي الرعب في قلوب الكفار بعد ذلك حتى يظهر هذا الدين على سائر الأديان ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " نصرت بالرعب مسيرة شهر " وذهب كثير من المفسرين إلى أنه مختص بيوم أحد لوروده في مساق تلك القصة . قال السدي : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة ، انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق . ثم إنهم ندموا وقالوا بئسما صنعنا . قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم . فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم حتى رجعوا عما هموا به ففي ذلك نزلت الآية . وقيل : إن الكفار لما استولوا على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفروا منهم من غير سبب حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل من الخوف وقال : أين ابن أبي كبشة - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فأجابه عمر وجرى بينهم من الكلمات ما جرى . والرعب الخوف الذي يملأ القلب فزعاً ومنه سيل راعب إذا ملأ الأودية والأنهار . وإلقاء الرعب في قلوبهم لا يقتضي إلقاء جميع أنواعه فيها وإنما يقتضي وقوع هذه الحقيقة فيها من بعض الوجوه . ولكن ظاهر قوله : { في قلوب الذين كفروا } يقتضي وقوع الرعب في قلوب جميع الكفرة وهكذا هو في الواقع لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا وفي قلبه خوف المسلمين وهيبتهم . إما في الحرب وإما في المحاجة . وقيل : إنه مخصوص بأولئك الكفار . { بما أشركوا } أي بسبب إشراكهم بالله . وفيه وجه معقول وهو أن الدعاء إنما يصير في محل الإجابة عند الاضطرار كما قال :{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه }[ النمل :62 ] ومن اعتقد أن لله شريكاً لم يحصل له الاضطرار لأنه يقول : إذا كان هذا المعبود لا ينصرني فذاك الآخر ينصرني فلا يحصل له الإجابة . فيلزمهم الرعب والخوف هذا على تقدير أن معبوديهم يصح منهم الإجابة . كيف وإنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً ؟ { ما لم ينزل به سلطاناً } الهة لم ينزل الله بإشراكها حجة . والتركيب يدل على القدرة والشدة والحدة ومنه يقال للوالي سلطان ، ومنه سلاطة اللسان ، والسليط الزيت كأنه استخراج بالقهر . قال الجوهري : السلطان بمعنى الحجة والبرهان لا يجمع لأن مجراه مجرى المصدر . وليس المراد أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل لأن الشرك لن يقوم عليه حجة ، ولكن المراد نفي الحجة ونزولها جميعاً كقوله :

ولا ترى الضب بها ينجحر *** . . .

قال المتكلمون : التقليد باطل لأن كل ما لا دليل عليه لم يجز إثباته . ومنهم من يبالغ فيقول : ما لا دليل عليه فيجب نفيه . ومنهم من احتج بهذا الحرف على وحدانية الصانع فقال لا سبيل إلى إثبات الصانع إلا باحتياج المحدثات إليه . ويكفي في رفع هذه الحاجة إثبات الصانع الواحد فما زاد لا سبيل إلى إثباته فلم يجز إثباته . أقول : هذا إذا استدللنا بعدم الدليل على وجود الشريك على نفيه ، أما إذا استدللنا بوجود الدليل على نفيه فلا شريك لأجل الدليل ، ولا دليل على الاشتراك لوجود الدليل على نفي الشريك .

ولما ذكر حال الكفرة في الدنيا وهو استيلاء الرعب عليهم أتبعه حالهم في الآخرة فقال : { ومأواهم } أي والمكان الذي يأوون إليه { النار وبئس مثوى الظالمين } مقام المشركين من ثوى بالمكان يثوي إذا أقام به

/160