الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

قوله تعالى : { سَنُلْقِي } : الجمهورُ بنون العظمة وهو التفات من الغيبة في قوله : { وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ } ، وذلك لتنبيه على عِظَم ما يُلقيه تعالى . وقرأ أيوب السختياني : " سيُلقي " بالغيبة جَرْياً على الأصل . وقُدِّم المجرورُ على المفعول به اهتماماً بذكر المحلِّ قبل ذِكْرِ الحالِّ . والإِلقاء هنا مجاز لأن أصله في الأجرام ، فاستعير هنا كقوله :

هما نَفَثا في فِيِّ مِنْ فَمَوَيْهِما *** على النابحِ العاوي أشدُّ رِجامِ

وقرأ ابن عامر والكسائي : " الرُّعُب " و " رُعُباً " بالضم ، والباقون بالإِسكان . فقيل : لغتان ، وقيل : الأصلُ الضمُّ وخُفِّف ، وهذا قياسٌ مُطَّرد ، وقيل : الأصلُ السكونُ ، وضُمَّ إتباعاً كالصُّبْح والصُّبُح ، وهذا عكسُ المعهودِ من لغةِ العرب .

[ والرعبُ : الخَوْفُ . يقال : رَعَبْتُه فهو مَرْعُوب ، وأصلُه من الامتلاء ، يقال : رَعَبْتُ الحوض أي : ملأتُه ، وسيل راعِب ، أي : ملأ الوادي . والسلطان : الحُجَّة والبرهان ، واشتقاقُه : إمَّا مِنْ سَلِيط السِّراج الذي يُوقَدُ به . . . . . . ، لإِنارتِه ووضوحه ، وإمَّا من السَّلاطة وهي الحِدَّةُ والقَهْر ] .

و { فِي قُلُوبِ } متعلِّقٌ بالإِلقاءِ . وكذلك { بِمَآ أَشْرَكُواْ } ، ولا يَضُرُّ تعلُّق الحرفين لاختلافِ معناهما ، فإنَّ " في " للظرفية والباءَ للسببية . و " ما " مصدريةٌ . و " ما " الثانيةٌ مفعولٌ به ل " أشْركوا " ، وهي موصولةٌ بمعنى الذي ، أو نكرةٌ موصوفة . والراجعُ الهاءُ في " به " ، ولا يجوز أن تكونَ مصدريةً عند الجمهور لعَوْد الضمير عليها . وتَسَلَّط النفيُ على الإِنزال لفظاً والمقصودُ نفيُ السلطان ، أي : الحُجَّة ، كأنه قيل : لا سلطانَ على الإِشراكِ فَيُنَزَّلَ كقوله :

1464 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا تَرَى الضَبَّ بها يَنْجَحِرْ

أي : لا ينجحر الضبُّ بها فيُرى ، وقولِه :

على لاحِبٍ لا يُهْتَدَى بمَنارِه *** *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : لا منارَ له فيُهْتدى به ، فالمعنى على نفيِ السلطان والإِنزالِ معاً . و " سلطاناً " مفعول ل " يُنَزِّل " .

وقوله : { وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } المخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي : مثواهم ، أو النار . والمَثْوى : مَفْعَل من ثَوَيْتُ أي : أَقَمْتُ ، فلامه ياء ، وقُدِّم المأوى وهو المكان الذي يَأْوي إليه الإِنسان على المَثْوى وهو مكانُ الإِقامةِ ، لأنه على الترتيبِ الوجودي يأوي ثم يَثْوي ، ولا يلزم من المأوى الإِقامةُ ، بخلافِ عَكْسِه .