فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين151

( سنلقي ) بنون العظمة وهو التفات عن الغيبة في قوله ( وهو خير الناصرين ) وذلك للتنبيه على عظم ما يلقيه تعالى ، وقرئ بالياء جريا على الأصل ( في قلوب الذين كفروا ) قدم المجرور على المفعول به اهتماما بذكر المحل قبل ذكر الحال ( الرعب ) بضم الراء والعين وسكونها وهما لغتان ، ويجوز أن يكون مصدرا والرعب بالضم وبضم العين للإتباع ، وأصله الملء يقال سيل راعب أي يملأ الوادي ورعبت الحوض ملأته فالمعنى سنملأ قلوب الكافرين رعبا أي خوفا وفزعا والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام ومجازا في غيرها كهذه الآية . وذلك أن المشركين بعد وقعة احد ندموا ان لا يكونوا استأصلوا وقالوا بئسما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم . ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به .

( بما أشركوا بالله ) أي بسبب إشراكهم به تعالى ( ما لم ينزل به ) أي يجعله شريكا له ( سلطانا ) حجة وبيانا وبرهانا سميت الحجة سلطانا لقوتها على دفع الباطل او لوضوحها وإنارتها أو لحدتها ونفوذها ، والنفي يتوجه إلى القيد والمقيد أي لا حجة ولا إنزال ، والمعنى ان الإشراك بالله لم يثبت في شئ من الملل ( ومأواهم ) مسكنهم ( النار ) بيان لأحوالهم في الآخرة بعد بيان أحوالهم في الدنيا ( وبئس مثوى الظالمين ) أي المسكن الذي يستقرون فيه .

وكلمة بئس تستعمل في جميع المذام وفي جعلها مثواهم بعد جعلها مأواهم إلى خلودهم فيها فإن المثوى مكان الإقامة المنبئة عن المكث ، والمأوى المكان الذي يأوي إليه الإنسان ، وقدم المأوى على المثوى لأنه على الترتيب الوجودي يأوي ثم يثوي ، قاله الكرخي .