الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

قوله سبحانه : { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب }[ آل عمران :151 ] . سبب هذه الآيةِ أنه لما ارتحَلَ أبُو سُفْيان بالكفَّار ، رجع النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ فتجهَّز ، واتبع المشركِينَ ، وكان مَعْبَدُ بْنُ أبي مَعْبَدٍ الخُزَاعِيُّ قد جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ : وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ ، لَقَدْ سَاءَنَا مَا أَصَابَكَ ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ تَمِيلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ رَكِبَ مَعْبَدٌ ، حتى لَحِقَ بِأَبِي سُفْيَانَ ، فَلَمَّا رأى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَداً ، قَالَ : مَا وَرَاءَكَ ، يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ ، قَدِ اجتمع مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، ونَدِمُوا على مَا صَنَعُوا ، قَالَ : وَيْلَك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ ، مَا أَرَاكَ أَنْ تَرْحَلَ حتى ترى نَوَاصِيَ الخَيْلِ ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، لَقَدْ أَجْمَعْنَا الكَرَّةَ إلَيْهِمْ ، قَالَ : فَإنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ ، وَوَاللَّهِ ، لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ على أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ شِعْراً ، قَالَ : وَمَا قُلْتَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : [ البسيط ]

كَادَتْ تَهُدُّ مِنَ الأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي *** إذْ سَالَتِ الأَرْضُ بِالجُرْدِ الأَبَابِيلِ

تَرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لاَ تَنَابِلَةٍ *** عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلاَ مِيلٍ مَعَازِيلِ

فَظَلْتُ عَدْواً أَظُنُّ الأَرْضَ مَائِلَة *** لَمَّا سَمَوْا بِرَئيسٍ غَيْرِ مَخْذُول

إلى آخر الشِّعْر . فألقى اللَّه الرُّعْبَ في قلوبِ الكفَّارِ ، وقالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّة : لاَ تَرْجِعُوا فإني أرى أنه سيكُونُ للقَوْمِ قِتَالٌ غَيْرُ الذي كَانَ ، فنَزَلَتِ الآيةُ في هذا الإلقاء ، وهي بَعْدُ متناولَةٌ كلَّ كافرٍ ، قال الفَخْر : لأنه لا أحد يخالفُ دِينَ الإسلام ، إلا وَفِي قلبه خَوْفٌ من الرُّعْب ، إما عند الحَرْب ، وإما عند المُحَاجَّة ، انتهى .

وقوله سبحانه : { بِمَا أَشْرَكُواْ } هذه باءُ السَّبَبِ ، والسُّلْطَانُ : الحُجَّة والبُرْهَان .

قال ( ص ) : قوله { وَبِئْسَ } ، المخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ ، أي : النار .