الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

نظيره " وقذف في قلوبهم الرعب " {[3567]} . وقرأ ابن عامر والكسائي " الرعب " بضم العين ، وهما لغتان . والرعب : الخوف ؛ يقال : رَعَبْته رُعْبا ورُعُبا ، فهو مرعوب . ويجوز أن يكون الرعْب مصدرا ، والرُّعُب الاسم . وأصله من الملء ، يقال سيل راعب يملأ الوادي . ورعبت الحوض ملأته . والمعنى : سنملأ قلوب المشركين{[3568]} خوفا وفزعا . وقرأ السختياني " سَيُلْقي " بالياء ، والباقون بنون العظمة . قال السدي وغيره : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا ! قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد{[3569]} تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به . والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام ، قال الله تعالى : " وألقى الألواح " {[3570]} [ الأعراف : 150 ] " فألقوا حبالهم وعصيهم " [ الشعراء : 44 ] " فألقى عصاه " [ الأعراف : 107 ] . قال الشاعر :

فألقت عصاها واستقرَّ بها النَّوَى

ثم قد يستعمل مجازا كما في هذه الآية ، وقوله : " وألقيت عليك محبة مني " {[3571]} [ طه : 39 ] . وألقى عليك مسألة .

قوله تعالى : " بما أشركوا بالله " تعليل ، أي كان سبب إلقاء الرعب في قلوبهم إشراكهم ؛ فما للمصدر . وبقال أشرك به أي عدل به غيره ليجعله شريكا . " ما لم ينزل به سلطانا " حجة وبيانا ، وعذرا وبرهانا ، ومن هذا قيل للوالي سلطان ؛ لأنه حجة الله عز وجل في الأرض . ويقال : إنه مأخوذ من السليط وهو ما يضاء به السراج ، وهو دهن السمسم ، قال امرؤ القيس :

أمال{[3572]} السَّليطَ بالذُّبالِ المُفَتَّلِ

فالسلطان يستضاء به في إظهار الحق وقمع الباطل . وقيل السليط الحديد . والسلاطة الحدة . والسلاطة من التسليط وهو القهر ، والسلطان من ذلك ، فالنون زائدة . فأصل السلطان القوة ، فإنه يقهر بها كما يقهر بالسلطان . والسليطة المرأة الصخابة . والسليط الرجل الفصيح اللسان . ومعنى هذا أنه لم تثبت عبادة الأوثان في شيء من الِملل . ولم يدل عقل على جواز ذلك . ثم أخبر الله تعالى عن مصيرهم ومرجعهم فقال : " ومأواهم النار " ثم ذمه فقال : " وبئس مثوى الظالمين " والمثوى : المكان الذي يقام فيه ؛ يقال : ثَوَى يَثْوي ثَواء . والمأوى : كل مكان يرجع إليه شيء ليلا أو نهارا .


[3567]:- راجع جـ18 ص 3.
[3568]:- في د و جـ وهـ: الكافرين.
[3569]:- في د: الشديد.
[3570]:- راجع جـ7 ص 288و 256 وجـ 13 ص 97.
[3571]:- راجع جـ11 ص 196.
[3572]:- في الأصول: أهان: والذي أثبتناه هو ما في الديوان وكتب اللغة.