تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد ، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب ، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم ، وقد فعل تعالى .

وذلك أن المشركين -بعدما انصرفوا من وقعة " أحد " - تشاوروا بينهم ، وقالوا : كيف ننصرف ، بعد أن قتلنا منهم من قتلنا ، وهزمناهم ولما نستأصلهم ؟ فهموا بذلك ، فألقى الله الرعب في قلوبهم ، فانصرفوا خائبين ، ولا شك أن هذا من أعظم النصر ، لأنه قد تقدم أن نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين : إما أن يقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ، وهذا من الثاني .

ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين ، فقال : { بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } أي : ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام ، التي اتخذوها على حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة ، من غير حجة ولا برهان ، وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن ، فمن ثم كان المشرك مرعوبا من المؤمنين ، لا يعتمد على ركن وثيق ، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق ، هذا حاله في الدنيا ، وأما في الآخرة فأشد وأعظم ، ولهذا قال : { ومأواهم النار } أي : مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج ، { وبئس مثوى الظالمين } بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم .