قوله تعالى : { فإن أعرضوا } عن الإجابة ، { فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك } ما عليك . { إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة } قال ابن عباس : يعني الغنى والصحة . { فرح بها وإن تصبهم سيئة } قحط ، { بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور } أي : لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم .
{ فَإِنْ أَعْرَضُوا } عما جئتهم به بعد البيان التام { فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } تحفظ أعمالهم وتسأل عنها ، { إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ } فإذا أديت ما عليك ، فقد وجب أجرك على اللّه ، سواء استجابوا أم أعرضوا ، وحسابهم على اللّه الذي يحفظ عليهم صغير أعمالهم وكبيرها ، وظاهرها وباطنها .
ثم ذكر تعالى حالة الإنسان ، وأنه إذا أذاقه الله رحمة ، من صحة بدن ، ورزق رغد ، وجاه ونحوه { فَرِحَ بِهَا } أي : فرح فرحا مقصورا عليها ، لا يتعداها ، ويلزم من ذلك طمأنينته بها ، وإعراضه عن المنعم .
{ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي : مرض أو فقر ، أو نحوهما { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ } أي : طبيعته كفران النعمة السابقة ، والتسخط لما أصابه من السيئة .
ثم بين - سبحانه - وظيفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ . . } .
أى : فإن أعرض هؤلاء الظالمون عن دعوتك - أيها الرسول الكريم - ، فلا تحزن لذلك ، فإننا ما أرسلناك لتكون رقيبا على أعمالهم ، ومركها لهم على الإِيمان ، وإنما أرسلناك لتلغ دعوة ربك إليهم ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر .
والمراد بالإِنسان فى قوله - سبحانه - : { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } جنسه الشامل للجميع والمراد بالرحمة : ما يشمل الغنى والصحة وغيرهما من النعم .
أى : وإنا إذا أعطينا ومنحنا الإِنسان بفضلنا وكرمنا نعمة كالمال والولد والجاه . فرح بها وانشرح لها .
{ وَإِن تُصِبْهُمْ } أى : الناس { سَيِّئَةٌ } من بلاء أو مرض أو خوف أو فقر { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أى : بسبب ما اكتسبته أيديهم من المعاصى والسيئات حزنوا وامتعضوا .
وقوله : { فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ } تعليل لجواب الشرط المحذوف ، أى : وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم نسوا نعمنا وقنطوا ، فإن الإِنسان الكافر كثير الكفر والجحود لنعم خالقه - عز وجل - أما من آمن وعمل صالحا فإنه يشكر ربه عند النعم ، ويصبر عند البلاء والنقم .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاَغُ وَإِنّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنّ الإِنسَانَ كَفُورٌ } .
يقول تعالى ذكره : فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحقّ ، ودعوتهم إليه من الرشد ، فلم يستجيبوا لك ، وأبَوْا قبوله منك ، فدعهم ، فإنا لن نرسلك إليهم رقيبا عليهم ، تحفظ عليهم أعْمالهم وتحصيها إنْ عَلَيْكَ إلاّ البَلاغُ يقول : ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة ، فإذا بلغتهم ذلك ، فقد قضيت ما عليك وَإنّا إذَا أذَقْنا الإنْسانَ منّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها يقول تعالى ذكره : فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة ، وذلك هو الرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه ، فرح بها : يقول : سرّ بما أعطيناه من الغِنى ، ورزقناه من السّعة وكثرة المال ، وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يقول : وإن أصابتهم فاقة وفقر وضيق عيش بِما قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يقول : بما أسلفت من معصية الله عقوبة له على معصيته إياه ، جحد نعمة الله ، وأيس من الخير فإنّ الإنْسانَ كَفُورٌ يقول تعالى ذكره : فإن الإنسان جحود نعم ربه ، يعدّد المصائب ، ويجحد النعم . وإنما قال : وَإنْ تُصْبِهُمْ سَيّئَةٌ فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور ، وقد ذكر الإنسان قبل ذلك بمعنى الواحد ، لأنه بمعنى الجمع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.