السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

{ فإن أعرضوا } أي : عن الإجابة فيما دعوتهم إليه { فما أرسلناك } أي : بما لنا من العظمة { عليهم حفيظاً } أي : تقهرهم على امتثال ما أرسلناك به { إن عليك إلا البلاغ } لما أرسلناك به ، وأما الهداية والإضلال فإلينا ، وهذا كما قال الجلال المحلي : قبل الأمر بالجهاد { وإنا إذا أذقنا } أي : بالعظمة التي لا يمكن مخالفتها { الإنسان } أي : بما جبلناه عليه من النقص وعدم التمالك { منا رحمة } قال ابن عباس رضي الله عنهما : نوعاً من أنواع الإكرام من صحة أو غنى أو نحو ذلك { فرح بها } أي : بتلك الرحمة وأفرد ضمير فرح نظراً للفظ الإنسان إشارة إلى أنه مطبوع على أنه ليس عليه إلا من نفسه ، ولو كان أهل الأرض كلهم على غير ذلك ونعمة الله تعالى عليهم ، وإن كانت في الدنيا عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى سعادات الآخرة القطرة بالنسبة إلى البحر فلذلك سميت ذوقاً ، فبين تعالى أن الإنسان إذا حصل له هذا القدر الحقير في الدنيا فرح به وعظم غروره ووقع في العجب والكبر وظن أنه فاز بكل المنى ووصل إلى أقصى السعادات ، وهذه طريقة من ضعف اعتقاده في سعادات الآخرة وجمع ضمير الإنسان في قوله تعالى : { وإن تصبهم } باعتبار معناه { سيئة } أي : شيء يسوءهم في الحال كالمرض والفقر والقحط { بما قدمت أيديهم } أي : قدموه وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال بها { فإن الإنسان } أي : الآنس بنفسه المعرض عن غيره بما هو طبع له بسبب سيئة تضره { كفور } أي : بليغ الكفران ينسى النعمة رأساً ويذكر البلية ويعظمها ولم يتأمل سببها وتصدير الشرطية الأولى : بإذا ، والثانية : بإن لأن إذاقته النعمة محققة من حيث إنها عادة مقضيّة بالذات بخلاف إصابة البلية وإقامة علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضعه الضمير في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة ، فإن كان في نعمة أشر وبطر ، وإن كان في نقمة أيس وقنط ، فهذا حال الجنس من حيث هو ومن وفقه الله تعالى جنبه ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم : «المؤمن إن أصابه سراء شكر فكان خيراً ، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيراً » .