فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } أي حافظا تحفظ أعمالهم الصادرة عنهم حتى تحاسبهم عليها ولا موكلا رقيبا عليهم ، لتقهرهم على امتثال ما أرسلناك به .

{ إِنْ } أي ما { عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ } لما أمرت بإبلاغه وليس عليك غير ذلك ، وهذا منسوخ بآية السيف ، لأنه قبل الأمر بالجهاد { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } أي أعطيناه رخاء وصحة وغنى { فَرِحَ بِهَا } بطرا ونعم الدنيا وإن كانت عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى سعادة الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر ، فلهذا سمى الإنعام إذاقة ، والمراد بالإنسان الجنس ولهذا قال :

{ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي بلاء وشدة ومرض وفقر { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الذنوب وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها { فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ } أي كثير الكفر بما أنعم به عليه من نعمه غير شكور له عليها ، وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان ، ولم يقل : فإنه كفور ، بل وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم ، كما قال { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } والمعنى أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغطيها ،