إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } تلوينٌ للكلامِ ، وصرفٌ له عن خطابِ الناسِ بعدَ أمرِهم بالاستجابةِ ، وتوجيهٌ له إلى الرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أي فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه فما أرسلناك رقيباً ومحاسباً عليهم . { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ } وقد فعلتَ . { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً } أي نعمةً منَ الصحةِ والغنَى والأمنِ { فَرِحَ بِهَا } أُريد بالإنسانِ الجنس ؛ لقولِه تعالَى : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي بلاءٌ من مرضٍ وفقرٍ وخوفٍ . { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ } بليغُ الكفرِ ينسى النعمةَ رأساً ويذكرُ البليةَ ويستعظمُها ولا يتأملُ سبَبَها بلْ يزعُم أنها أصابتْهُ بغيرِ استحقاقٍ لها ، وإسنادُ هذه الخصلةِ إلى الجنسِ مع كونِها من خواصِّ المجرمينَ لغلبتِهم فيما بينَ الأفرادِ ، وتصديرُ الشرطيةِ الأولى بإذَا معَ إسنادِ الإذاقةِ إلى نونِ العظمةِ للتنبيهِ على أنَّ إيصالَ النعمةِ محققُ الوجودِ كثيرُ الوقوعِ وأنَّه مُقْتضى الذاتِ ، كما أنَّ تصديرَ الثانيةِ بإِنْ وإسنادَ الإصابةِ إلى السيئةِ وتعليلَها بأعمالِهم للإيذانِ بنُدرةِ وقوعِها وأنَّها بمعزلٍ عن الانتظامِ في سلكِ الإرادةِ بالذاتِ . ووضعُ الظاهرِ موضعَ الضميرِ للتسجيلِ على أن هذا الجنسَ موسومٌ بكفرانِ النعمِ .