اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

قوله : { فَإنْ أَعْرَضُوا } عن الاستجابة ولم يقبلوا هذا الأمر { فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } بأن تحفظ أعمالهم وتُحْصِيهَا { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ } أي ما عليك إلا البلاغ ، وذلك تسلية من الله تعالى له . ثم بين السبب في إصرارهم على الكفر فقال : { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً } قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[49501]} يعني الغنى والصحة «فرح بها » .

واعلم أن نعم الله وإن كانت في الدنيا عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى سعادات الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر ، فلذلك سميت ذوقاً . فبين ( الله ) تعالى أن الإنسان إذا حصل له هذا القدر الحقير في الدنيا فرح به وعظم غروره ، ووقع في العجب والكبر ، ويظن أنه فاز بكل المنى ، ووصل إلى أقصى السعادات ، وهذه طريقة من ضعف اعتقاده في سعادات الآخرة .

ثم إنه تعالى بين أنه متى أصابهم سيئة أي شيء يسوءهم في الحال كالمرض والفقر والقحط وغيرها فإنه يظهر الكفر{[49502]} وهو ( معنى ) قوله : { فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ } ، والكفور : هو المبالغ في الكفران والمراد بقوله : كفور أي لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة{[49503]} جميع ما سلف من النِّعم .

وقوله : فإنَّ الإنسان من وقوع الظاهر موقع المضمر أي فإنه كفور . وقدر أبو البقاء : ضميراً محذوفاً فقال{[49504]} فإن الإنسان ( منهم ){[49505]}


[49501]:زيادة من أ.
[49502]:في ب الكفران.
[49503]:في النسختين: شديدة، وانظر في هذا تفسير الرازي 27/183 والبغوي 6/128.
[49504]:في ب فقدر وفي أ فصار وفي السمين فقال.
[49505]:سقط من ب وانظر التبيان 1135.