تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

44

المفردات :

حفيظا : رقيبا أو محاسبا .

إن عليك : ما عليك .

إلا البلاغ : إلا التبليغ .

التفسير :

48- { فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور } .

تأتي هذه الآية تسلية ومواساة للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي : إن أعرض أهل مكة عن دعوتك ولم يؤمنوا برسالتك فقد أدّيت واجبك ، ولست حفيظا عليهم ، ولا مسئولا عن إيمانهم ، ما عليك إلا تبليغ الدعوة إليهم ، وتركهم أحرارا يختارون ما يشاءون .

قال تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر } . ( الغاشية : 21 ، 22 ) .

وقال سبحانه : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء . . . } ( البقرة : 272 ) .

ومن طبيعة الإنسان أنه إذا جاءت إليه النعمة فرح بها ، فهو يسعد بالنعمة كالصحة والغنى والأمن ويستبشر بها ، وإذا نزل به المرض أو الفقر أو أي مصيبة بسبب سلوكه ومعاصيه ، فإن الجزع والهلع ينزل بساحته ، وكذلك الكفر والجحود ، إلا من ألهمه الله الصواب .

قال تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين } . ( المعارج : 19-22 ) .

إن ذلك بسبب عدم الإيمان ، وعدم صدق اليقين ، وعظم شأن الدنيا عند الإنسان ، فإذا جاءت النعمة فرح بها كثيرا ، وما علم أن الدنيا كلها عارية وكل ما فيها مردود ، وأن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة ففيها النعيم الدائم ، وإذا نزلت بساحة الإنسان المصائب بسبب سلوكه اشتد به الحزن والهلع والكفر والجحود ، بخلاف المؤمن فإنه صابر على البلاء ، شاكر لله على النعماء .

قال صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن )21 .