قوله تعالى : { ما أصابك من حسنة } ، خير ونعمة .
قوله تعالى : { فمن الله وما أصابك من سيئة } ، بلية أو أمر تكرهه .
قوله تعالى : { فمن نفسك } ، أي : بذنوبك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره ، نظيره قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى :30 ] وتعلق أهل القدر بظاهر هذه الآية ، فقالوا : نفى الله تعالى السيئة عن نفسه ونسبها إلى العبد فقال : { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } ، ولا متعلق لهم فيه ، لأنه ليس المراد من الآية حسنات الكسب ، ولا سيئاته من الطاعات والمعاصي ، بل المراد منهم ما يصيبهم من النعم والمحن ، وذلك ليس من فعلهم ، بدليل أنه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها إليهم ، فقال :{ ما أصابك } ولا يقال في الطاعة والمعصية ( أصابني ) ، إنما يقال : " أصبتها " ، ويقال في المحن : " أصابني " ، بدليل أنه لم يذكر عليه ثواباً ولا عقاباً ، فهو كقوله تعالى : { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف :131 ] ، فلما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه ، ووعد عليها الثواب ، والعقاب ، فقال{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها } [ الأنعام :16 ] . وقيل : معنى الآية : ما أصابك من حسنة من النصر ، والظفر يوم بدر فمن الله ، أي : من فضل الله ، وما أصابك من سيئة من القتل ، والهزيمة ، يوم أحد فمن نفسك ، أي : يعني : فبذنوب أصحابك ، وهو مخالفتهم لك ، فإن قيل : كيف وجه الجمع بين قوله { قل كل من عند الله } وبين قوله { فمن نفسك } قيل : قوله { قل كل من عند الله } أي : الخصب ، والجدب ، والنصر ، والهزيمة ، كلها من عند الله . وقوله : { فمن نفسك } أي : وما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك ، عقوبةً لك ، كما قال الله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى :30 ] يدل عليه ما روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } وأنا كتبتها عليك . وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون : { ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك }{ قل كل من عند الله } قوله تعالى : { وأرسلناك } ، يا محمد .
قوله تعالى : { للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً } على إرسالك ، وصدقك ، وقيل : كفى بالله شهيداً على أن الحسنة والسيئة كلها من الله تعالى .
{ مّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } : ما يصيبك يا محمد من رخاء ونعمة وعافية وسلامة ، فمن فضل الله عليك يتفضل به عليك إحسانا منه إليك . وأما قوله : { وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يعني : وما أصابك من شدّة ومشقة وأذى ومكروه ، فمن نفسك ، يعني : بذنب استوجبتها به اكتسبته نفسك . كما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } أما من نفسك ، فيقول : من ذنبك .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } عقوبة يا ابن آدم بذنبك . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لا يُصِيبُ رَجُلاً خَدْشُ عُودٍ وَلا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إلاّ بِذَنْبٍ ، وَما يَعْفُوا اللّهُ أكْثَرُ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يقول : الحسنة : ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح ، والسيئة : ما أصابه يوم أُحد أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يقول : بذنبك . ثم قال : { كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } النعم والمصيبات .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر ، قالا : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } قال : هذه في الحسنات والسيئات .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }قال : عقوبة بذنبك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } بذنبك ، كما قال لأهل أُحد : { أوَ لَمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيَبةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ } بذنوبكم .
حدثني يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { ماأصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } قال : بذنبك ، وأنا قدرتها عليك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وأنا الذي قدرتها عليك .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنيه إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح ، بمثله .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما وجه دخول «من » في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } و{ مِنْ سَيّئَةٍ } ؟ قيل : اختلف في ذلك أهل العربية ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت «من » ، لأن «من » تحسن مع النفي ، مثل : ما جاءني من أحد . قال : ودخول الخبر بالفاء لازما بمنزلة «مَنْ » . وقال بعض نحويي الكوفة : أدخلت «مِنْ » مع «ما » ، كما تدخل على «إن » في الجزاء لأنهما حرفا جزاء ، وكذلك تدخل مع «مَن » إذا كانت جزاء ، فتقول العرب : مَنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه ، كما تقول : إنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه . قال : وأدخلوها مع «ما » و«مَنْ » ، ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء . قالوا : وإذا دخلت معهما لم تحذف ، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعا شيئين ، وذلك أن «ما » في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } رفع بقوله : { أصَابَكَ } فلو حذفت «مِنْ » رفع قوله : { أصَابَكَ } السيئة ، لأن معناه : إن تصبك سيئة ، فلم يجز حذف «من » لذلك ، لأن الفعل الذي هو على فعَل أو يَفعل لا يرفع شيئين ، وجاز ذلك مع «مَنْ » ، لأنها تشتبه بالصفات ، وهي في موضع اسم ، فأما «إن » ، فإن «من » تدخل معها وتخرج ، ولا تخرج مع «أيّ » لأنها تعرب فيبين فيها الإعراب ، ودخلت مع «ما » لأن الإعراب لا يظهر فيها .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً وكَفَى باللّهِ شَهيدا } .
يعني بقوله جل ثناؤه : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً } : إنما جعلناك يا محمد رسولاً بيننا وبين الخلق تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة ، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت ، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم ، وإن ردوا فعليها . { وكَفَى بالله } عليك وعليهم { شَهِيدا } يقول : حسبك الله تعالى ذكره شاهدا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه ، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم ، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم ، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك ، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.