قوله تعالى : { صبغة الله } . قال ابن عباس في رواية الكلبي وقتادة والحسن : دين الله ، وإنما سماه صبغة لأنه يظهر أثر الدين على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب ، وقيل لأن المتدين يلزمه ولا يفارقه ، كالصبغ يلزم الثوب ، وقال مجاهد : فطرة الله ، وهو قريب من الأول ، وقيل : سنة الله ، وقيل : أراد به الختان لأنه يصبغ صاحبه بالدم ، قال ابن عباس : هي أن النصارى إذا ولد لأحدهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يقال له المعمودية وصبغوه به ليطهروه بذلك الماء مكان الختان ، فإذا فعلوا به ذلك قالوا : الآن صار نصرانياً حقاً فأخبر الله أن دينه الإسلام لا ما يفعله النصارى ، وهو نصب على الإغراء يعني الزموا دين الله ، قال الأخفش : هي بدل من قوله : ملة إبراهيم .
قوله تعالى : { ومن أحسن من الله صبغة } . ديناً وقيل : تطهيراً .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك - أن دين الله وهو الإِسلام أولى بالاتباع فقال تعالى : { صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } .
الصبغة فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي في أصل اللغة . الحالة التي يقع عليها الصبغ وهو تلوين الأشياء - كالثيبا وغيرها - بألوان معينة واستعملت الصيغة في الآية بمعنى الإِيمان بما فصلته الآية الكريمة وهي قوله تعالى قبل ذلك { قولوا آمَنَّا بالله وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وَمَآ أُوتِيَ موسى وعيسى } الخ الآية . وإنما أطلقت الصبغة على الإِيمان بما ذكرته الآية مفصلا ، لأن الإِيمان يمتزج بالقلوب امتزاج الصبغ بالمصبوغ ، وتبدو آثاره على المؤمنين كما تبدو آثار الصبغ على المصبوغ . ويقال : تصبغ فلان في الدين إذا أحسن دينه وتقيد بتعاليمه تقيداً تاماً .
وقوله : { صِبْغَةَ الله } هكذا بالنصب على أنهن وارد مورد المصدر المؤكد لقولهم ( آمنا ) فإنه في معنى صبغنا الله بالإِيمان ، وكأنهم قالوا صبغنا الله بالإِيمان صبغته . وإيراد المصدر تأكيدا لفعل يوافقه في المعنى ويخالفه في اللفظ معهود في الكلام البليغ .
قال القاضي : قوله تعالى { صِبْغَةَ الله } متعلق بقوله : { قولوا آمَنَّا بالله } إلى قوله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فوصف هذا الإِيمان منهم بأنه صيغة الله ، ليبين أن المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله وبين الدين الذي اختاره المبطلون ظاهرة جلية ، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحس السليم " .
والاستفهام في قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً } للإِنكار والنفي والمعنى : لا أحد أحسن من الله صبغة لأنه هو الذي يصبغ عباده بالإِيمان ويطهرهم من أدران الكفر والضلال ، فهي صبغة ثابتة لا تزول لأن الإِيمان متى خالطت بشاشته القلوب لا يرتد عنه أحد سخطه له .
بخلاف ما يتلقنه أهل الكتاب عن أحبارهم ورهبانهم من الأديان الباطلة فهو من الصيغة البشرية ، التي تجعل من الدين الواحد أديانا مختلفة ومذاهب متنافرة .
وهذا التركيب { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً } يدل بحسب أصل الوضع اللغوي على نفي أن يكون دينا أفضل من دين الله ، ويبقى احتمال أن يوجد دين يساويه في الحسن ، وهذا الاحتمال لم ينفه التريكب بحسب أصل الوضع ولكن مثل هذا التركيب صار أسلوباً يفهم منه يمعونة مقام المدح نفي مساواة دين لدين الله في الحسن ، كما يفهم منه نفي أن يكون هناك دين أحسن منه .
وأفضلية دين الله من جهة هدايته إلى الاعتقاد الحق ، والأخلاق الكريمة ، والآداب السمحة والعادات الصحيحة ، والسياسة الرشيدة والمعاملات القائمة على رعاية المصالح .
وقوله تعالى : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } عطف على آمنا بالله في قوله تعالى : { قولوا آمَنَّا بالله } والمعنى : قل لهم يا محمد إننا نحن معاشر المسلمين نعبد الله وحده وصبغته هي صبغتنا ولا نعبد غيره فلا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً يزيدون في ديننا وينقصون ويحلون ويحرمون ويمحون من النفوس صبغة التوحيد ، ليحلوا محلها بأهوائهم صبغة الشرك والكفر .
{ صبغة الله } أي صبغنا الله صبغته ، وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره ، وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاكلة ، فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون : هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم ، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله { آمنا } وقيل على الإغراء ، وقيل على البدل من ملة إبراهيم عليه السلام .
{ ومن أحسن من الله صبغة } لا صبغة أحسن من صبغته { ونحن له عابدون } تعريض بهم ، أي لا نشرك به كشرككم . وهو عطف على آمنا ، وذلك يقتضي دخول قوله { صبغة الله } في مفعول { قولوا } ولمن ينصبها على الإغراء ، أو البدل أن يضمر قولوا معطوفا على الزموا ، أو اتبعوا ملة إبراهيم و{ قولوا آمنا } بدل اتبعوا ، حتى لا يلزم فك النظم وسوء الترتيب .
{ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ }( 138 )
و { صبغة الله } شريعته وسنته وفطرته ، قال كثير من المفسرين : وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم ، فهذا ينظر إلى ذلك( {[1322]} ) : وقيل : سمي الدين { صبغة } استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره( {[1323]} ) ، ونصب الصبغة على الإغراء ، وقيل بدل من ملة ، وقيل نصب على المصدر المؤكد لأن ما قبله من قوله { فقد اهتدوا } هو في معنى يلبسون أو يتجللون صبغة الله ، وقيل : التقدير ونحن له مسلمون صبغة الله ، فهي متصلة بالآية المتقدمة ، وقال الطبري من قرأ برفع «ملةُ » قرأ برفع «صبغةُ » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وقد ذكرتها( {[1324]} ) عن الأعرج وابن أبي عبلة . و { نحن له عابدون } ابتداء وخبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.