نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ} (138)

وجعل الحرالي { صبغة الله }{[5247]} أي هيئة صبغ الملك الأعلى التي هي حلية المسلم وفطرته كما أن الصبغة حلية المصبوغ{[5248]} حالاً تقاضاها معنى الكلام ، {[5249]}وعاب على{[5250]} النحاة كونهم لا يعرفون الحال إلا من الكلم المفردة ولا يكادون يتفهمون{[5251]} الأحوال من جملة الكلام ، وقال : الصيغة تطوير معاجل بسرعة{[5252]} وحيه ، وقال : فلما كان هذا التلقين تلقيناً وحياً سريع التصيير من حال الضلال المبين الذي كانت فيه العرب في جاهليتها إلى حال الهدى المبين الذي كانت فيه الأنبياء في هدايتها من غير مدة جعله تعالى صبغة كما يصبغ الثوب في الوقت فيستحيل من لون إلى لون في مقابلة ما يصبغه{[5253]} أهل الكتاب بأتباعهم المتبعين لهم في أهوائهم في نحو{[5254]} الذي يسمونه الغِطاس{[5255]} { ومن أحسن من الله } {[5256]}أي الذي له الكمال كله{[5257]}

{ صبغة } لأنها صبغة قلب لا تزول لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم ، وتلك صبغة{[5258]} جسم لا تنفع ، وفيه إفهام بما يختص به الذين آمنوا من انقلاب جوهرهم نوراً ، كما قال عليه الصلاة والسلام : اللهم اجعلني نوراً ! فكان ما انقلب إليه جوهر الأئمة انصبغت به قلوب الأمة { ونحن له } أي خاصة{[5259]} { عابدون } تكملة لرد الخطاب على خطاب عهد إسرائيل حيث قال :ما تعبدون من بعدي }[ البقرة : 133 ] إلا أن العبادة في عهد إسرائيل سابقة والإسلام ختم ، والإسلام في هذا التلقين بدء لتقع العبادة شكراً - يختص برحمته من يشاء ، وجاء به بالوصف الثابت الدائم ففيه إشعار بأن أحداً منهم لا يرتد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه ، وهو حظ عام من العصمة الثابت خاصها للنبي صلى الله عليه وسلم في على أمره - انتهى .


[5247]:ليست في ظ
[5248]:ليست في ظ
[5249]:في م: غاب عن
[5250]:في م: غاب عن
[5251]:في ظ: يتفهمون - كذا
[5252]:في م: بشرعة.
[5253]:في م و ظ: يصنعه
[5254]:ليس في م
[5255]:وقد تضمنت هذه الآية أصل الدين الحنيفي فكنى بالصبغة عنه ومجازه ظهور الأثر أو ملازمته لمنت ينتحله فهو كالصبغ في هذين الوصفين كما قال، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، والعرب تسمى ديانة الشخص لشيء واتصافه به صبغة؛ قال بعض شعراء ملوكهم: وكل أناس لهم صبغة وصبغة همدان وخير الصبغ صبغنا على ذلك أبناءنا فأكرم بصبغتنا في الصبغ وقد روي عن ابن عباس أن الأصل في تسمية الدين صبغة أن عيسى حين قصد يحيى ابن زكريا فقال: جئت لأصبغ منك، واغتسل في نهر الأردن، فلما خرج نزل عليه روح القدس، فصارت النصارى يفعلون ذلك بأولادهم في كنائسهم تشبيها بعيسى ويقولون: الآن صار نصرانيا حقا، وزعموا أن في الإنجيل ذكر عيسى بأنه الصابغ ويسمون الماء يغمسون فيه أولادهم "المعمودية" بالدال، ويقال: المعمورية – بالراء؛ قال: ويسمون ذلك الفعل "التغميس" ومنهم من يسميه "الصبغ" فرد الله ذلك بقوله {صبغة الله}. وقال الراغب: الصبغة إشارة إلى ما أوجده في الناس من بدائة العقول التي ميزنا بها عن البهائم ورشحنا بها لمعرفته ومعرفة طلب الحق وهو المشار إليه بالفطرة، وسمى ذلك بالصبغة من حيث أن قوى الإنسان إذا اعتبرت جرت مجرى الصبغة في المصبوغ – البحر المحيط 1/ 412
[5256]:ليست في ظ
[5257]:ليست في ظ
[5258]:ليس في ظ
[5259]:زيد من م و ظ ومد