قوله تعالى : { فإذا قضيتم الصلاة } ، يعني : صلاة الخوف ، أي : فرغتم منها .
قوله تعالى : { فاذكروا الله } أي صلوا لله .
قوله تعالى : { قياماً } في حال الصحة .
قوله تعالى : { وقعوداً } ، في حال المرض .
قوله تعالى : { وعلى جنوبكم } ، عند الجرح والزمانة ، وقيل : اذكروا الله بالتسبيح والتحميد والتهليل والتمجيد ، على كل حال .
أخبرنا عمرو بن عبد العزيز الكاشاني أنا القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي ، أنا أبو داود السجستاني ، أنا محمد بن العلاء ، أنا ابن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن خالد بن سلمة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه " .
قوله تعالى : { فإذا اطمأننتم } أي : سكنتم وأمنتم .
قوله تعالى : { فأقيموا الصلاة } . أي : أتموها أربعاً بأركانها .
قوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } ، قيل : واجباً مفروضاً ، مقدراً في الحضر أربع ركعات ، وفي السفر ركعتان . وقال مجاهد : أي فرضاً مؤقتاً وقته الله تعالى عليهم . وقد جاء بيان أوقات الصلاة في الحديث . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا أبو بكر عبد الله بن هاشم حدثنا وكيع ، أنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارس عن عياش بن أبي ربيعة الزرقي ، عن حكيم بن أبي حكيم ، بن عباد بن حنيف ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمني جبريل عليه السلام عند باب البيت مرتين ، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت بقدر الشراك ، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظل كل شيء مثله ، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء ثلث الليل الأول ، وصلى بي الفجر أسفر ، ثم التفت إلي فقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت ما بين هذه الوقتين ) .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر بن الحسن الحيري ، أنا وكيع ، أنا حاجب بن أحمد ، ثنا عبد الله بن هاشم ، ثنا وكيع ، ثنا بدر بن عثمان ، ثنا أبو بكر بن أبي موسى الأشعري ، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن سائلاً أتاه فسأله عن مواقيت الصلاة ، قال : فلم يرد عليه شيئاً ، ثم أمر بلالاً فأذن ، ثم أمره فأقام الصلاة حين انشق الفجر فصلى ، ثم أمره فأقام الظهر ، والقائل يقول : قد زالت الشمس أو لم تزل ، وهو كان أعلم منهم ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين سقط الشفق ، قال : وصلى الفجر من الغد ، والقائل يقول : طلعت الشمس أو لم تطلع ، وصلى الظهر قريباً من وقت العصر بالأمس ، وصلى العصر والقائل يقول : قد احمرت الشمس ، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل الأول ، ثم قال : أين السائل عن الوقت ؟ فقال الرجل : أنا يا رسول الله . قال : " ما بين هذين الوقتين وقت " .
ثم أمر الله - تعالى - المؤمنين بالإِكثار من ذكره بعد الانتهاء من صلاتهم ، وشجعهم على مواصلة قتال أعدائهم بدون خوف أو ممل فقال - تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ . . . عَلِيماً حَكِيماً } .
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ( 103 ) وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 104 )
والمعنى : فإذا أديتم صلاة الخوف - أيها المؤمنون - على الوجه الذى بينته لكم وفرغتم منها { فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ } أى : فداوموا على الإِكثار من ذكر الله فى كل أحوالكم سواء أكنتم قائمين فى ميدان القتال ، أم قاعدين مستريحين ، أم مضطجعين على جنوبكم ، فإن ذكر الله - تعالى - الذى يتناول كل قول أو عمل يرضى الله - هو العبادة المستمرة التى بها تصفو النفوس ، وتنشرح الصدور ، وتطمئن القلوب . قال - تعالى - { الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } وإنما أمرهم - سبحانه - بالإِكثار من ذكره فى هذه الأحوال بصفة خاصة ، مع أن الإِكثار من ذكر الله مطلوب فى كل وقت ، لأن الإِنسان فى حالة الخوف ومقابلة الأعداء أحوج ما يكون إلى عون الله وتأييده ونصره ، والتضرع إلى الله بالدعاء فى هذه الأحوال يكون جديراً بالقبول والاستجابة .
قال - تعالى - { ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } والفاء فى قوله { فَإِذَا اطمأننتم فَأَقِيمُواْ الصلاة } للتفريع على ما قبله .
أى : فإذا ما سكنت نفوسكم من الخوف ، وأقمتم فى مساكنكم بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، فداوموا على أداء الصلاة على وجهها الذى كانت عليه قبل حالة الحرب ، وأتموا أركانها وشروطها وآدابها وخشوعها .
وقوله { إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً } تذييل المقصود به تأكيد ما قبله من الأمر بالمحافظة على الصلاة .
أى : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا محددا بأوقات لا يجوز مجاوزتها بل لا بد من أدائها فى أوقاتها سفرا وحضرا ، وأمنا وخوفا .
والمراد بالكتاب هنا : المتكوب . وبالموقوت : المحدد بأوقات من وقت كمضروب من ضرب .
وقد رجح ابن جرير هذا المعنى بقوله : وأولى المعانى بتأويل الكملة قول من قال : إن الصلاة كانت على المؤمنين فرضا موقوتا . أى فرضا وقت لهم وقت وجوب أدائه . لأن الموقوت إنما هو مفعول من قول القائل : وقت الله عليك فرضه فهو يقته . ففرضه عليك موقوت ، إذا أخبر أنه جعل له وقتا يجب عليك أداؤه .
وقد أكد الله - تعالى - فرضية الصلاة ووجوب أدائها فى أوقاتها بإن المفيدة للتأكيد ، وبكان المفيدة للدوام والاستمرار . وبالتعبير عن الصلاة بأنها كتاب ، وهو تعبير عن الوصف بالمصدر فيفيد فضل توكيد ، وبقوله { عَلَى المؤمنين } فإن هذا التركيب يفيد الإِلزام والحتمية . وكل ذلك لكى يحافظ المؤمنون عليها محافظة تامة دون أن يشغلهم عنها شاغل ، أو يحول بينهم وبين أدائها حائل .
{ فإذا قضيتم الصلاة } أديتم وفرغتم منها . { فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } فداوموا على الذكر في جميع الأحوال ، أو إذا أردتم أداء الصلاة واشتد الخوف فأدوها كيفما أمكن ، قياما مسايفين ومقارعين ، وقعودا مرامين وعلى جنوبكم مثخنين . { فإذا اطمأننتم } سكنت قلوبكم من الخوف . { فأقيموا الصلاة } فعدلوا واحفظوا أركانها وشرائطها وائتوا بها تامة . { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فرضا محدود الأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في شيء من الأحوال ، وهذا دليل على أن المراد بالذكر الصلاة وأنها واجبة الأداء حال المسايفة والاضطراب في المعركة ، وتعليل للأمر بالإيتاء بها كيفما أمكن . وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يصلي المحارب حتى يطمئن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.